Site icon IMLebanon

“عزل الشيعة” سلاح ابتزاز للبنانيين

 

لم يتحدّث أيّ لبنانيّ ذي اعتبار سياسيّ منذ بداية الحرب بين “حزب الله” و إسرائيل عن رغبة بـ”عزل الشيعة”، أو قهرهم، أو الانتقام منهم، لا صراحة ولا مواربة.

 

 

 

لم يُطرح الانتقاص من “حقوقهم” المكتسبة بالنظام السياسي الدستوري. لم يتم التداول بمعاقبة أحد، حتى السياسيين الذين انتهكوا الدستور أو الذين شنّوا حرباً كارثية أودت بلبنان الى الهلاك.

 

 

 

لم يتم الحديث عن أن لبنان “ما بعد حزب الله” سيشكل انقلاباً عما قبله، بمعنى أن ما مارسته “الشيعيّة السياسية” من تنكيل بشركائها سيُعتبر قاعدة للمستقبل ولكن بشكل معكوس. أو أن ما مارسه حلفاء “حزب الله” في العراق بحقّ السنّة بعد سقوط نظام البعث سيمارس “بالمقلوب” في لبنان.

 

موضوع لم يطرح من أساسه… بل على العكس.

 

 

 

في المنحى الإيجابي، تعامل جميع اللبنانيين مع أزمة اللجوء بأعلى درجات المسؤولية الوطنيّة والحس الإنسانيّ، متجاوزين أيّ اعتبار سياسي ولو أعطي هذا الاعتبار بُعد طغيانٍ طائفيّ الطابع في المرحلة التي مضت. حتى أن الرئيس نبيه برّي أشاد بأداء “القوات اللبنانية” بالتعامل مع مسألة النزوح، فيما كان الثنائي، ولسنوات مضت، يبني تعبئته الطائفية على قاعدة أن بقيّة اللبنانيين يريدون – لو سنحت لهم الفرصة – إعادة الشيعة “ماسحي أحذية”، على حدّ قول السيّد حسن نصرالله ذات يوم.

 

في ذروة لحظة الضعف الجماعي، لم يحدث شيء من هذا أبداً.

 

 

 

أما في المنحى السلبيّ، ها هو الرئيس برّي يفاوض الإسرائيلي وحده (بالتشاور مع وزير الخارجية الإيراني) على شروط إنهاء الحرب، من دون أيّ صفة دستورية تخوّله إدارة هذه المفاوضات، ومن دون أيّ اعتبار لمجلسي الوزراء والنواب. يقرّر وحده، بالنيابة عن “حزب الله” طبعاً، مصير خمسة ملايين لبناني، وأمنهم، ومستقبلهم.

 

كل من هم خارج الثنائي “معزولون”، بطوائفهم وممثليهم وشخصياتهم.

 

 

 

برغم هذا كلّه، بدأ التحذير في لبنان من خطورة ما يسمّى “عزل الشيعة”. يأتي هذا الحديث تارة على شكل نصيحة (للحفاظ على “السلم الأهلي” طبعاً) وطوراً على شكل تهديد صريح ومباشر بالحرب الأهلية.

 

 

 

لا يرد هذا الكلام فقط على لسان المتحدّثين باسم الثنائي، بل يعاونهم بهذا المسعى شخصيات سياسيّة “تقليديّة” اعتادت الانخراط بلعبة المصالح السياسيّة الضيّقة، برعاية عرّابها التاريخي نبيه برّي. إنّها خطّة حماية الامتيازات غير الدستوريّة لفترة ما بعد الحرب: بينما كان يتم الحفاظ على السلاح غير الشرعي والسيطرة على النظام السياسي تحت شعار “المقاومة”، انتقل “الثنائي” إلى استراتيجية الاحتفاظ بالوضعيّة الخاصة تحت شعار “عزل الشيعة”… فأصبحت المعادلة كالآتي: نبيه برّي مرشد الجمهوريّة، الحكومات يشكّلها الثنائي ويغيّب عنها ممثلي أغلبيّة اللبنانيين، ورئيس جمهوريّة يفرضه الثنائي على أغلبيّة القوى السياسية الأخرى مجتمعة، السياسة الخارجيّة والدفاعيّة مصادرة، مواطنون درجة أولى وآخرون درجة ثانية.

 

 

 

إما أن يبقى الوضع كذلك، وإما المعصية الكبرى، المسماة “عزل الشيعة”… وما أدرانا ما هي مخاطر عزل الطوائف في لبنان(!)، فالأمر يعتمد على هويّة الطائفة المعزولة.

 

 

 

عندما غادر ممثلو حركة “أمل” و “حزب الله” حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في العام 2007، أصدر شيخ مقرّب من “الثنائي” فتوى شرعية بتحريم – نعم تحريم – مشاركة أيّ شيعي (خصوصاً المعارضين منهم) في الحكومة كبديل عنهم.

 

 

 

لم يتصدَّ الشيخ المذكور لـ”عزل الشيعة” بشكل عام، بل لعزل “الثنائي” الذي خرج بملء إرادته بعدما فشل بمنع إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

 

 

 

أما في العام 2011، فخرج “الحزب” الذي يمثل الأغلبية العظمى من السنّة، أي تيار المستقبل، من الحكم. ومع أن ذلك حصل بقوّة السلاح (بواسطة قمصانه السود)، لم يطرح الموضوع على أنه عزل للسنّة.

 

 

 

أيضاً و أيضاً، ومنذ العام 2022 إلى اليوم، لم تتمثّل الأغلبية العظمى من المسيحيين (القوات والكتائب والمستقلون) في السلطة التنفيذيّة. الحكومات تتشكل بأغلبية ضئيلة جداً، فلا “وحدة وطنيّة”، ولا “إجماع وطني”، ولا أي من تلك العناوين التي يتحفنا بها “الثنائي” عندما يُهزم وفريقه السياسي بالانتخابات.

 

 

 

ولكن لا كلام عن عزل أحد. لا خوف على السلم الأهلي. لا تهديد بالاقتتال الطائفي. لا شيء من هذا كلّه. إنّه نظام الفصل الطائفي السلمي. فيه فقط حكومات فاشلة، أوصلت البلد إلى ما هو عليه، وغطّت حرباً هجّر من خلالها الشيعة أنفسهم إلى العراق بأعداد هائلة، وهو لسخرية القدر عنوان المؤامرة المتخيلة التي لطالما نظّر لها “الثنائي” على أنّها “الخطة السريّة” للفريق “المعادي للمقاومة”.

 

 

 

أمّا اليوم، فالحديث عن “مؤامرة” انتخاب رئيس للجمهورية من دون مشاركة “الثنائي”. بمعنى آخر وأدق، يتم “التحذير” من خطورة نزع حقّ الفيتو غير الدستوري الذي أعطاه برّي لـ27 نائباً دون غيرهم، والسماح لهم باستعماله ليس للوصول إلى تسوية، بل لفرض مرشّح رئاسي معيّن تحت شعار “حماية ظهر المقاومة”، ولو شكّل ذلك عزلاً للنواب الـ101 الآخرين.

 

 

 

يشكّل “عزل الشيعة” اليوم عنواناً مفتعلاً ومزيّفاً للحفاظ على مكتسبات حزبيّة غير شرعية وغير دستورية. بل إنّه عنوان لاستمرار الطغيان الميليشياوي تحت مسميّات “طائفيّة”. بحده الأقصى، بقاء سلاح “حزب الله” بصيغته الحالية، ولو خارج منطقة جنوب الليطاني.

 

 

 

أما في الحدّ الأدنى، فإمساك نبيه برّي بالمعادلة السياسية الداخليّة بالكامل، وتعيينه رئيسي الحكومة والجمهوريّة معاونين له (إلى جانب علي حسن خليل طبعاً) في إدارة البلاد، فإن ذلك هو ابتزاز “استباقيّ” بحق اللبنانيين (على رأسهم الشيعة غير الخاضعين لسلطة الثنائي)، لن يخضع له أيّ لبناني عاقل يطمح إلى أن يكون مواطناً في دولة يتساوى فيها الناس (أفراداً و قبائل)، ولا يُعزل فيها إلا ذلك الذي يحمل فيها سلاحاً غير شرعيّ، يغطي به سلوكاً غير دستوريّ.