IMLebanon

100 يوم من العزلة بين “جائحة الكورونا… والحكومة”!

 

تتفوّق “ملحمة” ما فوق الخيال “100 يوم من العزلة”… في لبنان، ربما على الرواية الخيالية الشهيرة “100 عام من العزلة”، في مندرجاتها وتحولاتها من أيام تراشق الإنعزاليات اللبنانية في زمن الحرب، إلى سياسة الإنعزال عن اللبنانيين وتطلعاتهم وحقوقهم، إلى عزلهم عن واقعهم العربي والعالمي، وصولاً إلى سياسة “العزل المنزلي”.

 

اللبنانيون لم يكونوا ينتظرون تفشي الأوبئة الجرثومية، كي يكتشفوا هول الأوبئة السياسية والإقتصادية المزمنة الأشدّ فتكاً المتفشية على حدود الوطن، غير أنها محطة قاتمة تضاف على “لائحة القرف” الشعبي.

 

لا تمر “جائحة” كورونا على اللبنايين، كغيمة في سماء صافية، بل تزيد من حال الترنح الذي بات اللبناني أسيره، في ظل سلطة لم تترك حيّزاً للطمأنينة، او الأمل بإمكانية الخروج من نفق مظلم دخل لبنان فيه، قبل ان تتسلل الكورونا اليه بفعل موضوعي حيناً وبفعل المكابرة السلطوية في معظم الأحيان، تلك التي تقوم على خواء، على غياب المسؤولية، والاعتداد غير السويّ بفطنة السلطة، وقدرتها على التعامل مع التحديات.

 

منذ أن بدأ تدفق الطائرات الايرانية الى لبنان، ترافق معه خطاب التشكيك بهذا الفيروس الذي أحيل الى مؤامرة على ايران اولاً، وسيق الكلام الاحتجاجي على السماح بدخول الطائرات الايرانية الى مطار رفيق الحريري، الى الحقد على إيران، فيما كان القادمون او بعضهم، يعودون الى بيوتهم، معتبرين أنّ الحماية التي تلقوها ورافقتهم حتى خروجهم من المطار، هي الشهادة لهم بأنهم اصحاء، بل حققوا انتصاراً على كل التشكيك الذي كان يطال هذا “الخروج الآمن” من المطار الى البيت.

 

ليس هذا فحسب ثمة سرب آخر من الطائرات الايرانية المدنية مواز، كانت تحط طائراته على مدار الاسبوع ولا تزال في مطار دمشق، وكان جزءٌ من القادمين يدخل الى لبنان عبر الحدود البرية مع سورية، من اللبنانيين وغير اللبنانيين، وكل ذلك كان يتم تحت أعين الحكومة وبرعاية حزبية وأمنية وبلا إجراءات طبية معتبرة.

 

“الجائحة” وهو الاسم الذي أطلق على فيروس كورونا وطبيعة انتشاره، يمكن ان يلامس في تداعياته على المجتمعات واللبنانيين على وجه الخصوص، سياسة السلطة وسلوكها تجاه الدولة ومصالح المواطنين والمقيمين على ارضها، اذ بات اللبناني يشعر هذه المرة اكثر من اي وقت مضى، انه متروك لمصيره، هو من يقرر كيف يحمي نفسه وكيف يواجه مصيره؟ وينحو نحو عزلة فرضها عليه سلوك عبثي، وسياسة تواصل تدمير كل ما يتصل بالدولة والوطن والشعب والمواطن.

 

ليس خافياً أن السياسة الحكومية ايضا تنحو بلبنان نحو مزيد من العزلة، تلك العزلة التي تهدّد وجود لبنان الدولة، بعد ان أنهت سلطة الخواء والمكابرة دور لبنان كمساحة تفاعل في محيطه العربي والدولي، وكمركز مالي واقتصادي، ومساحة إعلام حر، ومنصة  لإطلاق الأفكار والتجارب الخلاقة.

 

عزلة لبنان هذه يمكن تلمسها في دوائر اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، طالما كانت في عقود سابقة دوائر ناشطة وفاعلة في المحيط، فلبنان فقد في ظل “الانتصارات الالهية” جاذبيته الانسانية، وبات الخواء يحكم ويتحكم في مصائر المواطنين والمؤسسات على تنوعها، والتي باتت تفتقد القدرة على الصمود ومواجهة كورونا السلطة التي تسعى لنشر عدوى الخواء في كل اتجاه كي تحافظ على كرسيّها في جمهورية الخواء والمكابرة.

 

في اطلالته قبل يومين فاجأ الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اللبنانيين، بأنه وحزبه لم يكونا ولن يكونا ضد صندوق النقد الدولي، بحسب قوله إن حزبه اعلن انه ضد الشروط التي تمس بسيادة البلد. وبالتالي فهو منفتح على التعاون مع صندوق النقد الدولي، خاصة ان وزير خارجية إيران كان سبقه بأيام بطلب معونة مالية من صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات كورونا في بلاده.

 

لعل هذا الموقف بما فيه من استغباء للبنانيين، يكشف عن سلطة الخواء التي تحكم لبنان، لم تبق شتيمة او وصف مشين الا وطال صندوق النقد، خلال الاسابيع والأشهر الماضية من مسؤولين في “حزب الله” او من القريبين منه فضلاً عن “الذباب الالكتروني”، وعلى اللبنانيين ان يصدقوا اليوم ان “حزب الله” لم يشن حملة ضد صندوق النقد، فيما الحقيقة هي ان هذه السلطة التي يقودها “حزب الله” لا تلوي على شيء رغم كل “الانتصارات الالهية” التي حققتها فكل هذه الانتصارات التي تصفع اللبنانيين بها كل يوم، تبدو عاجزة عن إنقاذ دولة صغيرة مثل لبنان، فما بالك بشأن دول الممانعة او الدول المحتلة التي طالما وصفها نصرالله بأنها “اوهن من بيت العنكبوت”.

 

العجز والعزلة والخواء مثلث ضارب في بنية السلطة، ومثلث يحاصر الدولة، ويخنق المواطن الذي يكتشف كم انه متروك لمصيره ولعزلته، ولموت بطيء يتسلل اليه من كل السياسات التي جعلت لبنان بدون مظلة ولا فضاء مفتوح على شيء غير الكورونا، او تلك “الجائحة السياسية” التي تمثلها سلطة جعلت لبنان معزولاً، ومعدماً، ومحكوماً من قبل سلطة مافياوية.

 

بعيداً من المغالاة، فإن الموت كان مقدمة لهذه الكورونا، الموت هو الشعور الذي يمكن تلمسه في بنية المجتمع الذي بات امام خطر حقيقي يوفره حجم الغرق في الخواء السياسي والاجتماعي، ثمة مؤشرات لم تعد خافية على ان التصدعات الاجتماعية باتت تهدد ما تبقى من الأمن الاجتماعي والاقتصادي وصولاً للطبي، الجريمة بأبعادها المختلفة هي النتيجة المقلقة والمخيفة، وإزاء التردّي المعيشي والأخلاقي والسياسي، عمدت السلطة الى ترسيخه ولا تزال رغم انتفاضة اللبنانيين وصرختهم المستمرة منذ 17 تشرين.