IMLebanon

واشنطن تتجاهل “صراخ” خصوم حزب الله في الداخل ! عزلة المعارضة تكبر… وقلق من “المصالحات” الإقليميّة 

 

 

لماذا تشعر القوى المعادية لحزب الله في الداخل اللبناني بالقلق؟ وما اسباب اصدارها “خارطة طريق” تفضي الى نزع سلاح الحزب، عبر نبش قرارات دولية اكل عليها “الدهر وشرب”؟ الجواب باختصار هو خيبة الامل من الدول الداعمة لها، والتي تخلت عنها مجددا وتسعى الى “خطب ود” الحزب، لنسج تسويات محلية ترتبط بالتسوية الكبرى التي تنضج رويدا رويدا، في ظل متغيرات اقليمية ودولية متسارعة لا تصب ابدا في مصلحة “خصوم” حزب الله في الداخل، والذين يشعرون انهم بلا وزن ويحاولون تقليل الخسائر.

 

وفي هذا السياق، كان التجاهل التام من قبل السفارات الغربية والعربية الفاعلة لبيان المعارضة الذي صدر يوم الاثنين الماضي من مجلس النواب،  كصب “للمياه الباردة” على “الرؤوس” الحامية، التي اعتقدت انها ستجد من يصفق لها على الاقل، بعدما اعتقدت ان البيان العالي السقف سيجد من يتلقفه في الخارج لفتح نقاش جدي معها، حول كيفية تحويله الى خطة عمل تنفيذية ترفع منسوب الضغط على حزب الله، لكن لم يتصل احد كما تقول مصادر مطلعة، ولم يتم التعامل مع خطوة المعارضة بجدية، بل تم تجاهل الامر خصوصا من قبل السفارة الاميركية، التي سبق وعملت بجهد كبير لاقناع المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين للقاء بعض اعضاء المعارضة في الزيارة الماضية، وقبِل ذلك على مضض، باعتبار انها “مضيعة للوقت”.

 

واليوم لم يتغير شيء، وهوكشتاين الذي ناقش بالامس في باريس مع جان ايف لودريان ملف التصعيد في الجنوب والاستحقاق الرئاسي، يركز جهوده في كيفية انجاح التواصل مع حزب الله لمواكبة المرحلة الثالثة من الحرب “الاسرائيلية” على غزة، ويأمل في التوصل الى تفاهمات مرحلية لخفض التصعيد، تمهيدا للتفاهم النهائي على ترتيبات وقف النار. ولهذا، لا تبالي واشنطن، بحسب اوساط سياسية بارزة، بتطلعات المعارضة اللبنانية غير الواقعية، وتسعى لانجاح التفاوض مع حزب الله ضمن الحد الادنى المتاح، ولا وجود للبحث في مسألة السلاح او ترتيبات امنية تغير الواقع جنوبا. واذا توصلت واشنطن الى اتفاق في هذا الخصوص، لن تكون معنية بالملفات الداخلية، ولن تخوض معركة المعارضة لاضعاف حزب الله، ليس حبا به، بل لقناعة راسخة بعدم القدرة على ذلك، بعد تجارب مريرة مع معارضيه الذين خسروا دعم الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اي الدروز، كما لم تعد الساحة السنية معادية للحزب بعد “طوفان الاقصى”، وغياب رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري عن المشهد اخرج السنة من دائرة النفوذ، فضلا عن “استدارة ” جديدة لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي عاد الى “مغازلة” حزب الله ، ويحاول استعادة الحرارة الى العلاقة من “بوابة” اعادة التموضع في جبهة العداء لـ “اسرائيل”، وفتح قنوات اتصال مع “عين التينة” في محاولة لايجاد صفقة رئاسية! هذه العزلة الداخلية والخارجية للمعارضة تتعزز يوما بعد يوم، مقابل سعي الخارج والداخل للتواصل مع الحزب، فليس تفصيلا ان يزور وفد استخباراتي الماني نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، سبقه انفتاح قطري واماراتي على اعلى المستويات. ومن المرجح ان يستضيف الحزب ايضا وفد استخباراتي مصري في الايام المقبلة. علما ان التراجع العلني للامين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي عن موقفه من رفع حزب الله عن لوائح “الارهاب” لم يغير من الوقائع شيئا، لعلم الجميع ان مجرد لقائه مع النائب محمد رعد خطوة متقدمة لها ما بعدها، واقرار عربي بعدم امكان تجاهل دور الحزب الداخلي والاقليمي، تزامنا مع حراك اقليمي يعزز هذا الدور لا العكس.

 

وفي هذا السياق، تتزاحم الاخبار السيئة بالنسبة للمعارضة، ومنها اعلان وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري امس عن زيارة مرتقبة يجريها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طهران قريبا، معلنا عقب اجتماع للحكومة الايرانية أن الترتيبات للزيارة ستتواصل عقب تشكيل الحكومة الجديدة. وهذا تحول كبير في العلاقة التي ستنعكس حكما على علاقة المملكة بحزب الله، في ظل انفتاح غير مسبوق ايضا على دمشق.

 

وفي الاطار نفسه، ليس تفصيلا صغيرا، بالنسبة لخصوم حزب الله ما يحصل من تقارب تركي- سوري، وسط توقعات لصحيفة “حرييت” التركية بأن يلتقي الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد في أستانا عاصمة كازاخستان، على هامش قمة قادة منظمة شنغهاي في اليومين المقبلين. ولفتت الصحيفة الى ان ديبلوماسية “الباب الخلفي” التي تمارسها روسيا، قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، وقد يتم عقد هذا الاجتماع في أستانا أو في مكان آخر، لكن الامور تسير باتجاه تطبيع العلاقات الثنائية.

 

في الخلاصة، تفقد المعارضة الزخم الخارجي الذي يبحث عن تسوية مع حزب الله، كما تخسر داخليا الكثير من نقاط القوة، وهي بحسب مصادر مطلعة، لم تنظر “معراب” مثلا بعين الارتياح لزيارة المطران بولس مطر والوزير السابق الشيخ وديع الخازن، موفدين من غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب صباح امس في مقر المجلس، لرأب الصدع الذي سببه كلام الراعي عن المقاومة، وذلك بعد الكلام العلني للناطق الاعلامي باسم بكركي وليد غياض حول رفض البطريرك ضغوط السفراء لنعت المقاومة بالارهاب.

 

ويبدو ان ثمة شيئا يتحرك في المنطقة لانضاج تسوية في غزة تنعكس على الجبهة اللبنانية، وتتركز الجهود الأميركية والقطرية والمصرية والتركية على تشجيع “اسرائيل” وحركة حماس على استئناف المفاوضات. لا يوجد تغيير دراماتيكي بالنسبة للصيغة التي عرضها الرئيس الأميركي قبل بضعة أسابيع، والحديث يدور بالأساس عن تعديلات أدخلت على الصياغة وليس على الجوهر، وجميع الأطراف تنتظر الآن رد حماس. اذا اظهرت “إسرائيل” مرونة في موضوع وقف إطلاق النار، بعدها سيكون حزب الله الطرف اللبناني المفاوض على “الطاولة” ولا احد غيره. وما تخشاه المعارضة سيتحول الى واقع مرير، حيث لا تفهم الدول الا لغة المصالح ولا تتعامل الا مع الاقوى، وهي تدرك انها الحلقة الاضعف، ولهذا لا تملك الا “الصراخ” الذي لا “يسمن ولا يغني عن جوع”.