IMLebanon

إسرائيل؟

الذهنية السياسية المطّاطة التي تحكم أداء «حزب الله» في كل شأن ومجال وتجعل منه قادراً بسهولة ويسر على تسويق اغرب المواقف والالتزامات اذا كانت لمصلحته، تبدو راهناً أعجز من إقناع أحد بادعائه الغفلة إزاء تقاطع العلاقات الروسية الإسرائيلية في الميدان السوري.

قبل دخوله المجلجل في النكبة السورية عايش اللبنانيون أصنافاً من ذلك الأداء وقبلوا به. والأمثلة كثيرة. لكن ابرزها هو المتعلق بالنائب ميشال عون، وكيف تلقفّه «حزب الله» وسعى ولا يزال الى توظيف جموحه الرئاسي لمصلحته في الداخل الوطني، ناسياً متناسياً، «فضائله» في الكونغرس الاميركي و»الكتاب البرتقالي» والمواقف التحريضية على الحزب وسلاحه وارتباطاته الايرانية..

والاستطراد في مكانه، لجهة الاشارة ايضاً الى كيفية بلع الحزب لسانه في قضية فايز كرم المدان بتهمة «التعامل» مع اسرائيل.. والتي تذكّر بشكل او بآخر، بقصة تلقّف السلطة الاسدية في عزّ جبروتها مع حافظ الاسد، ارتداد الوزير الراحل ايلي حبيقة عن سيرته التنظيمية والحربية والتي كان فيها الشيء الكثير من الاسرائيليات بدورها!

تقبّل معظم اللبنانيين ذلك الاداء «الاستيعابي» لأنه كان يعني، في مكان ما، تخفيف حدّة الانقسامات المحلية وسدّ ابواب استفاد منها الاسرائيليون الى أبعد الحدود! مع ان الأمر في جملته دلّ ولا يزال يدلّ على انتهازية سياسية لا تتناسب مع «اليقينيات المقدسة»، لا عند السلطة الاسدية ولا عند «حزب الله». وخصوصاً اكثر، ان الطرفين كانا ولا يزالان يتهمان كل من يعارضهما بالارتباط بقوى وأجندات معادية «للأمة» وقضاياها!

.. وكان هناك شيء آخر: ما كان أحد ليجادل في الوضوح الليزري لعداء «حزب الله» لإسرائيل. ولا في التزامه اجندة قطعية في هذا الشأن. بل المفارقة هي ان الجدال تمحور في جملته حول الاثمان والتبعات وليس حول المبدأ. باعتبار ان لبنان دفع كفايته وفوقها. وحمل أوزاراً لا تحملها الجبال. وتمكن في النهاية من انجاز تحرير أرضه من دون ان يتحمل تبعات سياسية او اقتصادية او ديبلوماسية او تطبيعية من أي نوع كان.

لكن «حزب الله» في سوريا وصل الى شيء آخر: لم يترك حجّة او علّة الا واستخدمها لتبرير اصطفافه الى جانب بشّار الاسد ضد السوريين، اي مع «الظالم ضد المظلوم» ومع «السيف ضد الدم»! من حماية المقدسات الى حماية ظهر المقاومة وخطوط إمدادها، الى نكتة مواجهة «التكفيريين»، إلى غير ذلك من العناوين التي مهما شطحت، تختصر شيئين مركزيين: الأول البعد المذهبي المحض. والثاني (الموصول) البعد الإيراني المتعلق بسياسات التمدد وبسط النفوذ وسائر تخرصات المشروع الامبراطوري الفارسي هذا.

كان يمكن الركون الى ذلك وإدانته.. وكان يمكن الركون الى الافتراض القائل إن هناك تقاطعاً «عن بُعد» بين مصلحة اسرائيل في بقاء الاسد، لأن هذا يعني استمرار عملية تحطيم سوريا والقضاء على وزنها واحتمالاتها المستقبلية، وبين مصلحة المحور الايراني وشعاراته. لكن مع الدخول الروسي الصاخب، صار يصحّ الافتراض بأن ذلك التقاطع أصبح عن قرب! وفي الميدان! وفي العلن! وفي خطوط موصولة بين غرف عمليات عسكرية تمتد من قاعدة حميميم في اللاذقية الى تل ابيب! وأن «حزب الله» عملياً وواقعياً وفعلياً يقاتل على الارض في ظل خرائط وخطط واحداثيات وافقت اسرائيل عليها مسبقاً!

بأي لغة يمكن تبرير ذلك؟ وبأي منطق؟ وبأي شعار؟ وإلى أين سيصل «حزب الله» بعد هذا؟