Site icon IMLebanon

الرواية الإسرائيليّة «الرسميّة» لقرار الانسحاب: مِن حلم «الوطن البديل»… إلى تَعَـذُّر القضاء على حزب الله

 

أيّ رواية إسرائيلية بشأن قرار اندحار جيش الاحتلال من لبنان عام 2000، تنبع قيمتها من هوية من يدلي بها وموقعه. وكلما كان دور «الراوي» رئيسياً في صناعة الحدث والإطلالة على خفاياه، اكتسبت الرواية مزيداً من الأهمية. ولعلّ واحدة من أبرز الروايات المتداولة حتى اليوم، إسرائيلياً، هي تلك التي قدّمها رئيس حكومة الانسحاب، إيهود باراك. وتزداد قيمة هذه الرواية لأن قائلها ليس حصراً رئيس الحكومة التي اتخذت قرار الانسحاب قبل 20 عاماً، بل ربطاً بتبلور وعيه الاستراتيجي في سياق المواجهة مع حزب الله والمقاومة في لبنان. بداية مسار صقل مفاهيم باراك، كانت مع توليه منصب رئاسة الاستخبارات العسكرية عام 1983، ورافق من خلال موقعه أيضاً انسحاب جيش الاحتلال حتى الشريط الحدودي عام 1985. بعد ذلك، تنقل في مناصب عدة، أهمها نائب رئيس أركان الجيش (1987 – 1991) خلال العمليات النوعية للمقاومة في المنطقة الأمنية، ثم رئيساً لأركان الجيش في تسعينيات القرن الماضي. ومن أبرز المحطات المفصلية التي واكبها من هذا الموقع، وكان له دور رئيسي في بلورة قرارها وتنفيذها، اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي، وعملية تصفية الحساب عام 1993. كذلك شغل باراك منصب وزير الخارجية في الحكومة التي شنت عدوان عناقيد الغضب عام 1996، وصولاً الى توليه منصب رئاسة الحكومة (1999 – 2001). ومما يضاعف أهمية هذه الرواية، أنها أتت في مقابلة أجراها مع باراك المؤرخ العسكري الصهيوني أوري ميلشتاين، الذي لم يخفِ يوماً انتقاداته لباراك، وسبق أن كتب قبل سنوات قراءة تحليلية بعنوان: «كيف هزم حزب الله إيهود باراك». وبسبب هذه «الخلفية النقدية»، عبّر ميلشتاين عن تفاجئه بموافقة باراك على إجراء مقابلة معه، نشرتها صحيفة «معاريف»، بمناسبة مرور 20 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

 

هذه المقابلة اختارتها «الأخبار» لتكون بمثابة الرواية الإسرائيلية (وربما يجوز وصفها بـ«الرسمية») لقرار الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000.

خلاصة سردية رأس الهرم السياسي في كيان العدو، والذي تبلور في عهده قرار الاندحار من لبنان، أن الاجتياح الإسرائيلي كان يفترض بحسب ما هو مخطط له، عام 1982، أن يكون مدخلاً الى تغيير تاريخي واستراتيجي للواقع اللبناني والإقليمي، بدءاً من جنوب لبنان وصولاً الى العاصمة الأردنية، عمان، التي كان ينبغي أن تتحول ــــ بحسب المخطط الإسرائيلي ــــ الى عاصمة الوطن البديل للفلسطينيين. لكن المقاومة في لبنان بددت هذا المخطط وحوّلت الاحتلال الى مستنقع دموي ودفعته الى الانسحاب عام 1985 الى ما كان يسمى الحزام الأمني. باراك استشرف مسبقاً أن دينامية عملانية سيفرضها استمرار المقاومة في حال عدم الانسحاب الى ما وراء الحدود الدولية، وهو ما تحقق فعلياً. مع ذلك، قاد باراك بنفسه محاولات إسرائيل الفاشلة لإخماد مقاومة حزب الله، وقمعها وردعها انطلاقاً من موقعه في قيادة المؤسسة العسكرية لمدة ثماني سنوات (نائباً لرئيس الأركان ورئيساً للأركان بين 1987 و1995)، قبل أن ينتقل لاحقاً الى رئاسة المعارضة، وصولاً الى رئاسة الحكومة عام 1999، بالتزامن مع نضوج إدراكه بتعذّر القضاء على حزب الله كسبيل حاسم لإنهاء التهديد الذي مثَّلته المقاومة ضد جيش الاحتلال، كما أقرّ في المقابلة بشكل صريح ومباشر. هذا الإقرار الذي تبلور انطلاقاً من تجارب طويلة في ميدان المواجهة مع حزب الله، أدى أيضاً الى دينامية مفاهيمية عملانية واستراتيجية أنتجت ضرورة الخروج من لبنان.

لدى التدقيق في رواية باراك، يمكن – بسهولة – تلمّس مجموعة حقائق، أبرزها نجاح حزب الله في إحباط كل إجراءات العدو الدفاعية ومحاولاته الردعية لإيجاد احتلال آمن في الأراضي اللبنانية، وذلك عبر فرض المقاومة مساراً استنزافياً تراكمياً متواصلاً. والثانية، أن استراتيجية حزب الله الصاروخية نجحت في تقويض مبرّر القيادة السياسية والجمهور الإسرائيلي للصبر على خسائر الاحتلال. فالمعادلة الصاروخية التي فرضتها المقاومة، حوَّلت ما كان يفترض أن يكون حزاماً أمنياً يحمي مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، إلى سبب لاستهدافها بالصواريخ كلما تجاوز الجيش خطوطاً حمراء حدَّدها حزب الله. وتحولت بذلك المستوطنات إلى قيد على صانع القرار السياسي والعسكري، وتحوَّل الاحتلال للحزام الأمني، إلى عبء على المستوطنات وشمال فلسطين المحتلة. وهو ما أجمله باراك بالقول: «عن ماذا ندافع بالضبط في الحزام الأمني؟ في الواقع، حتى الصواريخ القصيرة المدى تصل إلى المستوطنات».

من الطبيعي أن تكون نقطة انطلاق المقاربة التحليلية التي قدّمها باراك عن الانسحاب الإسرائيلي بدءاً من اجتياح عام 1982، إذ أن «الفكرة كانت استخدام الذريعة التي وفّرها الإرهاب الفلسطيني للانقضاض عليهم في جنوب لبنان»، وتحويل ذلك إلى «رافعة من أجل الترابط مع المسيحيين في بيروت، وتتويج عائلة الجميل، وطرد منظمة التحرير نهائياً من لبنان». وأوضح أن الفرضية التي استند إليها قرار الاجتياح هي أن الفلسطينيين «سيضطرون للعودة إلى الأردن حيث سيُسقطون النظام الهاشمي، وتقوم دولة فلسطينية ويتم إيجاد حل للنزاع». في ضوء ذلك، وصف باراك الاجتياح بأنه لم يكن «صنوبرة كبيرة» (الاسم العسكري لعملية «سلامة الجليل» – اجتياح 1982)، وإنما كان «صنوبرة عملاقة». لكن ما حصل أن «إسرائيل علقت في الصنوبر الكبير»، مؤكداً عدم صحة التقارير التي تحدثت عن أن شارون ضلَّل الحكومة الإسرائيلية، وأنه «عرض عليهم كل الخطوات على الخريطة، وتحدث للبروتوكول بالتفصيل وبكثرة، وهم لم يفهموا أو اختاروا ألا يفهموا».

وخلص باراك إلى أن «فانتازيا» شارون الاستراتيجية المتعدّدة الطبقات لم تتحقق «وعلِقت إسرائيل في لبنان مع خسائر ومن دون جدوى عملية، وكنا مسؤولين عن كل ما يحدث في المناطق التي تحت سيطرتنا». وعزا عدم الانسحاب من لبنان في حينه، إلى «ارتداد في الحلبة السياسية عن المبادرة إلى عمل جريء يمكن أن يفشل وعندها سيتهمونك، لأنه لاحقاً ستقع تطورات سلبية سيجد المنتقدون دائماً صلة بينها وبين الخطوة الجريئة».

المحطة التالية التي توقف عندها باراك، في سياق المقابلة، كانت قرار الانسحاب عام 1985، مشيراً إلى أن «السؤال كان: إلى أين نخرج؟»، فكان القرار بإنشاء جيش لبنان الجنوبي في حزام مشابه للذي نشأ بعد عملية الليطاني عام 1978. ولفت إلى أنه كان الوحيد الذي عارض في هيئة أركان الجيش (من موقعه كرئيس للاستخبارات العسكرية) هذه الخطوة، لأنه «كان واضحاً لديّ الدينامية التي ستنشأ» وأنهم «يبنون خط بارليف جديداً» والنتائج التي ستترتب على ذلك «مشابهة للثمن الباهظ (الذي دفعناه) في خط بارليف على قناة السويس». وأكد أنه استشرف بأن اسرائيل «ستجد نفسها بعد وقت قصير متورّطة في تصعيد مستمر، ندافع فيه عن قوافل إمداد ومواقع وعن جنودنا، من دون أن يساهم ذلك في أمن إسرائيل». ولفت إلى أنه حاول في حينه إقناع قائد المنطقة الشمالية أوري اور، ورئيس أركان الجيش موشيه ليفي، ووزير الأمن اسحاق رابين، ورئيس الحكومة إسحاق شامير لكنه لم يفلح في ذلك.

 

الفرضية التي استند إليها قرار الاجتياح هي أن الفلسطينيين سيضطرون للعودة إلى الأردن حيث سيُسقطون النظام، وتقوم دولة فلسطينية

 

 

وحول بقاء الجيش الإسرائيلي في لبنان خلال توليه رئاسة أركان الجيش في تسعينات القرن الماضي، أعاد باراك ذلك إلى أن خيار الانسحاب من دون اتفاق مع السوريين لم يكن مطروحاً على جدول الأعمال بالنسبة إلى رئيس الوزراء إسحاق رابين في حينه، بل أراد القيام بذلك عبر المفاوضات مع السوريين. وعرَّج على أسباب عدم التوصل إلى اتفاق مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، مشيراً إلى أن «هناك العديد من الأسباب، ربما كان الأسد مستعداً للاتفاق، لكن فقط بشروطه». وأكد أن موضوع الانسحاب من لبنان شغله منذ عام 1985 ولم يكن وليد حملة انتخابية، مقراً في الوقت نفسه بأن ما دفعه إلى ذلك هو أن إسرائيل غرقت في المستنقع اللبناني: «من منا اعتقد، مناحيم بيغن، أنه بعد 15 سنة سندفن شباباً في الوحل اللبناني… يكفي صمت الأغنام، حان وقت الحسم، حان وقت العمل». ولفت إلى أنه أعلن عن موقفه بالخروج من لبنان بعد وقت ليس بطويل من كارثة المروحيات وبداية نشاط الأمهات الأربع (بالتحديد في اليوم التالي لقتل حزب الله قائد القوات الإسرائيلية في الحزام الأمني آنذاك العميد ايرز غيرشتاين). وأجمل أسباب موقفه بالخروج من لبنان «أولاً لأن هذا كان موقفي دائماً. وثانياً لتمكين الشعب من فهم أننا لا نخشى العمل، إحداث التغيير والأمل. وصلت إلى موقعي كرئيس المعارضة وبعدها كرئيس الحكومة بسبب مقتل رابين… يبدو لي من الطبيعي والواجب مواصلة ما بدأه رابين: محاولة الوصول إلى تسوية خلال سنة مع الفلسطينيين أو مع السوريين وبالموازاة الخروج من لبنان. باتفاق، إن حصل، أو من دونه، لأنه لم يكن هناك منطق للبقاء في لبنان».

وحول غرق إسرائيل في المستنقع اللبناني، نتيجة استمرار المقاومة، لفت باراك إلى أنه «عندما دخلت إسرائيل إلى لبنان كنت لواء شاباً… وبعد 17 عاماً (أي في عام 1999) الأولاد الذين كانوا في الأسرة هم جنود في لبنان، هم قتلى هناك.. وأنا لا أعرف لماذا هم قتلى هناك». وأقرّ بنجاح الاستراتيجية الصاروخية التي انتهجها حزب الله وأبطلت دور الحزام الأمني في حماية شمال إسرائيل، سائلاً: «عن ماذا نحن ندافع بالضبط في الحزام الأمني؟ في الواقع حتى الصواريخ القصيرة المدى تصل إلى المستوطنات». مع ذلك، أقرّ باراك بأنه كانت هناك معارضة واسعة جداً للخروج في المؤسسة الأمنية والجيش، والتغلب على هذه المعارضة «أصبح أصعب فأصعب كلما تبين أن التسوية مع سوريا لن تتحقق، وعلى ما يبدو سنضطر للخروج [من لبنان] من دون اتفاق، وإذا أمكن بدعم قرار من مجلس الأمن». أمام هذا الواقع، أوضح باراك أن «التحدّي في تنفيذ خطوة كهذه هو أنه إذا طُلب منّا القيام بها من دون اتفاق فستكون هناك أهمية عليا لتنفيذها بمباغتة كاملة. سواء من ناحية فرص نجاحها، أو من ناحية توفير خسائر». لكن العقبة التي كانت ماثلة هي «أننا لم نستطع معرفة ما إذا كنا سننجح في التوصل إلى تسوية. وطالما تجري مفاوضات، ليس من الصحيح التوضيح علناً أننا سنخرج من دون اتفاق».

على مستوى خطط الانسحاب، تابع باراك أنه في مطلع آب/أغسطس 1999 أمر رئيس الأركان، شاؤول موفاز، بالعمل على خطة تحت اسم «أفق جديد» تتناول مدماكين مركزيين: الأول، الخروج من المنطقة الأمنية من دون اتفاق على خلفية تصعيد وأزمة في المفاوضات؛ الثاني، خروج من لبنان على ضوء اتفاق مع سوريا ولبنان. «في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 1999، عُرضت عليّ خطة أفق جديد. وفي الختام أمرت بإعدادها تحت فرضية أن الخروج [من لبنان] سيُنفّذ لغاية تموز/يوليو 2000. في اليوم نفسه عُدت وأوضحت لموفاز أننا سنبذل جهداً أعلى للتوصل إلى تسوية، وإذا لم تكن هناك تسوية، سنسعى للخروج بمباغتة كاملة». وأسهب باراك في سرد تفاصيل المفاوضات مع سوريا… وأدى فشلها إلى استنفاد آخر ورقة سياسية بيد إسرائيل.

بعد ذلك عرض باراك سلسلة محطات تتصل بتوجيهاته للمؤسسة العسكرية لوضع خطط سرية للانسحاب من دون اتفاق، وبشكل مفاجئ… وجرت حول ذلك عدة نقاشات في الحكومة وداخل الجيش والاستخبارات. كما تعرض باراك لمثوله أمام أعضاء هيئة أركان الجيش، في العاشر من آذار من عام 2000، حيث أجاب عن أسئلتهم وهواجسهم، في لقاء وصفه بأنه كان مشحوناً.

في 22 آذار صدّق باراك على خطة الخروج من لبنان من دون اتفاق، بعدما تغير اسمها إلى «غسق الصباح» على أن تُنفذ وفق القرار 425. ثم شكَّل لقاء الرئيس الأسد مع الرئيس كلينتون في 26 آذار، محطة مفصلية نهائية وضعت القيادة الإسرائيلية أمام وضع فرض عليها حسم موقفها نهائياً من الانسحاب مع اتفاق أو بدونه.

ثم يروي باراك كيف تدحرجت التطورات بدءاً من 21 أيار، مع دخول عدد من المواطنين إلى القنطرة للمشاركة في عملية تشييع. ثم تحوَّلت إلى مسيرة كبيرة ودخل فيها مسلحون من حزب الله. واكتشفوا أن موقع جيش لبنان الجنوبي خال، أو أنهم كانوا يعرفون ذلك مسبقاً، وهكذا بدأ الاندحار، كما يؤكد باراك. وخلال خمس – ست ساعات ساروا نحو الطيبة، ودخلت مسيرات أخرى إلى المنطقة الأمنية.

على وقع هذه التطورات، يوضح رئيس وزراء العدو السابق، أنه تم عقد لقاء عاجل جمع باراك وسكرتيره العسكري في حينه غادي ايزنكوت ورئيس أركان الجيش شاؤول موفاز والاستخبارات وقيادة المنطقة الشمالية. واللافت أنه عندما سألهم عما إذا كانوا قدّروا مثل هذا السيناريو. أجابوا بصراحة: «لم نفكر، لم يفكر أحد أن هذا سيحصل بهذه السرعة. وواقعاً بدون أي قتال». في هذه اللحظة المفصلية يكشف باراك أنه تمت دراسة خيار العودة إلى مركز الطيبة، الذي كان يحتاج بحسب الجيش إلى لواءين. لكن «كان واضحاً لي أنه إذا أعدنا احتلال الطيبة، سيكون هناك اشتباك شامل مع حزب الله. وهذا سيلغي الخروج أو سيكون هناك خروج تحت النار.

ويضيف أيضاً أنه في ضوء مؤشرات الانهيار في الألوية الأخيرة لجيش لبنان الجنوبي، كانت توصية كل الحاضرين (الجيش والاستخبارات) أنه «يجب الخروج بأسرع وقت ممكن، وكما ذكرنا كان هذا واضحاً لي أيضاً». في أعقاب ذلك، بادر باراك إلى عقد جلسة سريعة للمجلس الوزاري المصغّر، وأخذ موافقة على اتخاذ قرار مع رئيس الأركان، موفاز، حول موعد التنفيذ. وصدّق على أمر الانسحاب خلال ليلة واحدة.

بعد هذه المحطات، وصل المحاور ميلشتاين، إلى الأسئلة الحاسمة حول أسباب فشل إسرائيل في القضاء على حزب الله: «لماذا لم نُصفِّ حزب الله في حرب استمرت عدة سنوات، وأيضاً عندما كنت رئيساً للأركان؟». أجاب باراك بشكل صريح ومباشر: «لم يكن بالإمكان تصفية منظمة حزب الله، إنه حركة مقاومة أصيلة موجودة داخل القرى وبغطاء مدني. ولم يكن هناك سبيل لتصفيته من دون الدخول عميقاً إلى لبنان، إلى صور وصيدا والبقاء هناك. وهذا أيضاً سبق وجربناه، ولم ننجح». ولفت إلى حقيقة تنطوي على إقرار إسرائيلي جمعي حول تعذّر القضاء على حزب الله، عسكرياً، بالقول بأنه لم يجد بين كل منتقدي الخروج من لبنان «من يريد العودة إلى لبنان، حتى لو وعدوهم أن الدخول سيكون بدون أي إصابات»، مضيفاً أنه كان «يمكن توجيه ضربة قوية لكن ليس تصفيته». وختم: «لا أعتقد أنه كانت هناك إمكانية عملية لتصفية حزب الله».

وفي السياق نفسه أضاف باراك، موضحاً خلفية عدم التجاوب مع طروحات قدّمها جنرالات كبار في الجيش من أمثال تشيكو تامير، وعميرام ليفين الذين طالبوا بعمل أكثر شدة وعنفاً من قبل الجيش ضد حزب الله. ولفت إلى أن هؤلاء قلَّلوا بشكل بارز من دلالة أن ضربات كهذه كانت ستشكل عبئاً ومعاناة للمدنيين (في شمال فلسطين المحتلة). موضحاً أن «حزب الله ردّ بالكاتيوشا وسكان الشمال هم من دخلوا لأيام طويلة إلى الملاجئ».، مشيراً بذلك إلى المعادلة التي نجح حزب الله في فرضها على القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب، باستهداف المستوطنات الشمالية بالصواريخ رداً على استهداف عمق المقاومة والمدنيين اللبنانيين. (عناقيد الغضب عام 1996، نموذجاً).

وردّ باراك أيضاً على إشكالية طالما تم توجيهها إليه أيضاً، وهي أن حزب الله تعاظمت قدراته بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، ولفت في هذا السياق إلى أن الحزب «ازداد قوة، قليلاً جداً، (بعد الانسحاب) فعدد الصواريخ ارتفع من 7 آلاف إلى 14000» من عام 2000 إلى عام 2006، في حين أن المديات لم تتغير، وكان معدل الزيادة 1000 صاروخ في السنة. لكن تعاظمه ارتفع من عام 2006 إلى عام 2019، إلى 140 ألف صاروخ، بمعدل 10،000 صاروخ في السنة. وبمديات تغطي تقريباً كل إسرائيل. كما تعاظمت قدراته نتيجة خوضه المعارك في سوريا وليس في قتال مع إسرائيل. مع ذلك، أقرّ باراك بتطور حزب الله خلال مواجهته للجيش الإسرائيلي خلال احتلاله أراضي لبنانية، مشيراً إلى أنهم في البداية كانوا يسيرون أمامنا ليلاً ونحن نشاهدهم بوسائل تشخيص الحرارة والرؤية الليلية الموجودة في الدبابات، وكنا نطلق النيران عليهم… لكن بعد عدة سنوات أصبحت عبواتهم لا تختلف عن عبوات الجيش الإسرائيلي ونشأت حرب أدمغة بين الجيش وبينهم.

وبخصوص انعكاس الانسحاب من لبنان على الفلسطينيين، تساءل باراك: «لو بقينا في لبنان واستمر دمنا بالسيلان من دون المساهمة في أمننا، هل كان الفلسطينيون سيرفعون العلم الأبيض؟». وأكد أنه لو بقيت إسرائيل في لبنان لما استطاع الجيش شنّ عملية السور الواقي (في الضفة الغربية في عام 2002 خلال انتفاضة الأقصى). ولكان هناك احتكاك مباشر ويومي مع حزب الله، إضافة إلى خطر اشتعال جبهة ثانية بصورة كاملة مع حزب الله أعلى بكثير، «وهو آخر ما كنا نحتاج إليه».

 

من ملف : 20 عاماً على التحرير: العام المقبل في القدس!