تبذل «إسرائيل» جهوداً كبيرة للسيطرة على عالم المقامرة الإلكترونية كونها باباً لجمع المال والمعلومات الأمنية. لبنان بالتأكيد على لائحة الدول المستهدفة
محاولات «إسرائيل» لاختراق لبنان أمنياً لا تتوقف، وهي في سبيل ذلك لا توفّر منفذاً لاستباحة العمق اللبناني من دون استغلاله. وفيما يتلهّى اللبنانيون بمعارك قادتهم السياسية وانهيار دولتهم، لا يزال العدو «شغّالاً» على تعزيز فرصه في جمع الداتا وتحليلها، واستغلالها متى سنحت الفرصة. وقد رُصِد، أخيراً، باب جديد يحاول الإسرائيليون الولوج منه، عبر شركات تجارية تقدّمت بعروض للعمل مع كازينو لبنان، وهي تخضع للتحقق، نظراً إلى وجود ارتباطات لها مع «إسرائيل».
بدأت القصة حينَ أعلنت إدارة الكازينو، في آب الماضي، عن استدراج عروض من شركات للعب على الإنترنت. نحو 14 شركة من الخارج أبدت اهتمامها وتواصلت للاطلاع على الشروط، «صمدت» منها ست شركات استمرّت في تقديم العروض حتى تشرين الثاني الماضي. وتولّى مستشارون بريطانيون للكازينو درس ملفات الشركات الست، قبل أن تبدأ الاجتماعات (مع كل منها على حدة منتصف أيار) التي حضرها أعضاء في مجلس الإدارة وثلاثة مستشارين بريطانيين. وقد حازت شركة «Oryx Gaming» موافقة مبدئية، بعدما «تقدّمت بالعرض الأفضل» وفقَ مصادر الكازينو، إلا أن هذه الموافقة عُلّقت بعدما صرّح مسؤولوها خلال تقديم عرضهم بأنها مملوكة من شركة «Bragg gaming group» التي يُديرها مسؤولون إسرائيليون. حينها طلبت إدارة الكازينو من الشركتين تقديم كل الأوراق المطلوبة من مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد والاستحصال على إفادة عن وضع الشركة، كون القانون الصادر في 23 حزيران 1955 «يحظر التعامل مع الشركات والمؤسسات الأجنبية وفروعها والأشخاص الطبيعيين الذين يخالفون مبادئ المقاطعة لتعاملهم مع إسرائيل، إن كان على صعيد صفقات تجارية أو عمليات مالية أو سياحية أو فنية أو أي تعامل آخر، مهما كانت طبيعته».
بعدَ وصول الطلب إلى مكتب المقاطعة وإحالته إلى المديرية العامة في وزارة الاقتصاد، تبيّن إثر البحث أن «Oryx Gaming» شركة رائدة في مجال توفير منصّات المقامرة عبر الإنترنت في سلوفانيا وتوفّر حلاً جاهزاً لصناعة المقامرة عبر الإنترنت. وهي تأسّست عام 2010، مِن قبل السلوفيني matevz mazij، واستحوذت عليها شركة «Bragg gaminggroup» عام 2018. ويُظهر الموقع الإلكتروني للأخيرة أن مؤسّسها والرئيس التنفيذي والمستشار الاستراتيجي لمجلس الإدارة هو الإسرائيلي ــــ الكندي آدم آرفيف. كما تبّين أن عدداً من مالكي الأسهم في الشركة الأم إسرائيليون، من بينهم ج. رونين كانور (مدير مالي بريطاني ــــ إسرائيلي، ولد ودرس في «إسرائيل»)، د. يانيف سبيلبرغ (رئيس تنفيذي للاستراتيجية، ويشتبه أنه من أصل إسرائيلي)، هـ. أليكس زيفكوفيتش (مدير تنفيذي للتكنولوجيا، ويشغل المنصب نفسه لدى شركة «EVNTL» الى جانب المستشار الأمني آفي شاشر الضابط المتقاعد في الجيش الإسرائيلي).
شبهات بوجود ارتباطات بإسرائيل لشركة تقدّمت للعمل مع الكازينو
بناءً على هذه المعطيات، رفض المدير العام للوزارة محمد أبو حيدر اتخاذ القرار قبل استشارة الأمن العام، وأرسل كتاباً له للتحقق من وضع الشركتين، وطلبت المديرية من إدارة الكازينو أن تطالب الشركتين بتقديم إقرار مصدّق بحسب الأصول لتبيان حقيقة علاقتهما بـ«إسرائيل» عموماً، وتحديد جنسية مالكي الشركة وأعضاء مجلس إدارة كل منهما. وقد قدّم جاد غاريوس مالك ومدير شركة «online suport services» (شركة لبنانية أسّست اتفاقية مشروع مشترك مع «Oryx Gaming») إقراراً مصدقاً نفت فيه الشركتان أي علاقة لهما بـ«إسرائيل»، وأكدت الشركة الأمّ أن آدم آرفيف مواطِن كندي لا يحمِل جواز سفر إسرائيلياً. غيرَ أن مصادر أمنية أكدت لـ«الأخبار» أن «المعطيات المتوافرة تؤكّد وجود ارتباطات للشركتين مع إسرائيل».
الموافقة على عرض شركة «Oryx Gaming» لا تزال معلّقة في انتظار جواب الأمن العام. وقال رئيس مجلس إدارة الكازينو رولان الخوري لـ«الأخبار»: «نحن في انتظار القرار النهائي من مكتب المقاطعة، وإذا تبيّن وجود صلة للشركة مع إسرائيل، فمن الطبيعي أن نتراجع عن قبول طلبها». وعن سبب قبول عرض الشركة قبلَ حصولها على الإفادة، أجاب «إننا في العادة نرسل الى مكتب المقاطعة كل الشركات المهتمة بالدخول الى الكازينو، لكن Oryx Gaming صرّحت عن المعلومات خلال تقديم العرض عن الشركة الأمّ، فطلبنا منها العودة الى مكتب المقاطعة لتأمين الأوراق اللازمة».
خطورة ما تقدّم أنه يكشف بأن العدو الإسرائيلي المهتمّ بلعب دور متقدّم في عالم المُقامرة والكازينوات في العالم كجزء من الدور المالي الذي تضطلِع به اللوبيات اليهودية، يضع لبنان على لائحة أهدافه، ما قد يحقق له مكاسب لم يستِطع تحقيقها في الحروب العسكرية. فأهمية هذا العالم، كما يصفه باحثون إسرائيليون، تكمُن في شقّين: أولاً، السيطرة المباشرة على الأسواق المالية. وثانياً، كباب لتجميع المعلومات الاستخبارية.
وبينما وضعت «إسرائيل» في السنوات الأخيرة جهداً كبيراً في موضوع المقامرة الإلكترونية، مركّزة على دول العالم الثالث، فلا شكّ أن وضع إسرائيليين أو شركات إسرائيلية عينهم على كازينو لبنان، وهو أحد أهم مصادر عائدات الخزينة، ليس سوى استكمال لعملية الحصار المالي على لبنان وضرب مرافقه الحيوية والأساسية.
يٌضاف إلى ذلِك أن الشركة المشغّلة ستملِك حكماً قدرة الاطلاع، عبر نظامها التشغيلي، على معلومات دقيقة عن الكازينو وزبائنه وبياناتهم الشخصية، بما فيها عناوينهم وكيفية الاتصال بهم وغيرها من المعلومات الدقيقة والأمنية، وهو ما يعرّضهم للخطر ومحاولات التهديد والابتزاز والتجنيد!