رفعت «إسرائيل» تحدّيها للبنان الى مستويات جديدة، عبر إعلانها توقيع اتفاقيات تنقيب عن الغاز في المنطقة «المتنازع عليها»، بشكل أحادي. تحدٍّ يهدف كما يبدو إلى الضغط على إدارة التفاوض في بيروت، ودفعها إلى استئناف الجولات التفاوضية، في موازاة تلمّس نيّات لبنان وردّات فعله، إن سعت إلى خطوات من شأنها الاستيلاء على الغاز اللبناني.
وفقاً للإعلام العبري، (موقع بحزيت الاقتصادي)، عمدت شركة «إنيرجيان» اليونانية، التي استحوذت عام 2016 على حقول غاز في شمال فلسطين المحتلة بموجب عقود مع شركة ديليك الإسرائيلية، الى التوقيع على عقود للتنقيب عن الغاز في خمس آبار شمالية، قالت إنها تقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة لـ«إسرائيل». وتتعلّق العقود بثلاث اتفاقيات تنقيب تشمل خمس آبار: الأولى في حقل كاريش الشمالي، والثانية في حقل كاريش الرئيسي، أما الثالثة فتتعلق بحقل “أتنا” الواقع بين حقلَي كاريش وحقل تنين. ويرد في التقرير أنه تقرر بدء عمليات التنقيب في الربع الأول من عام 2022، من دون الإعلان عن المدة الزمنية التي يقدر أن يستغرقها النقيب، كما من دون الإعلان عن أي من الحقول الثلاثة تقرر البدء فيها أولاً.
وتقع الحقول الثلاثة جنوبي المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، وفقاً للتسمية الإسرائيلية، أي منطقة 860 كيلومتراً مربعاً التي كانت موضع التفاوض في الجولات الأولى للمفاوضات العام الماضي، وهي متداخلة بشكل كبير جداً مع الخط الحدودي الجديد الذي يطالب به لبنان.
ويتّضح من مضمون الإعلان عن اتفاقيات التنقيب، سعي «إسرائيل» الى تحقيق هدفين اثنين ليسا بالضرورة مترابطين:
الضغط على لبنان ودفعه إلى استئناف التفاوض، مع الأمل بأن يتراجع عن مواقفه ويتنازل وفقاً للإرادة الإسرائيلية، وهو ما يتساوق بطبيعة الحال مع قراءة العدو لتأثير الأزمة الاقتصادية في لبنان على قرارات المفاوض اللبناني، الذي بات بحسب تقديرها، جاهزاً للتراجع. إلا أنها في المقابل، حرصت أيضاً على ترحيل تنفيذ الاتفاق ــــ بهدف الضغط ــــ الى العام المقبل، من دون تحديد توقيته بشكل واضح، وحصره في الأشهر الأولى منه، ما يعني الحرص على منع الجانب اللبناني من المسارعة إلى إطلاق مواقف تصعيدية، من شأنها دفع حزب الله إلى التدخل والتهديد بإجراءات وقائية.
في الهدف الثاني، تسعى «إسرائيل» الى تعبيد الطريق أمام أطماعها ما أمكن، وذلك عبر اللجوء الى مقدمات التنقيب في “المنطقة المتنازع” عليها، وفقاً للحدود البحرية الجديدة التي يطالب بها لبنان، وذلك عبر فرض «أمر واقع» يبقي المطالبة اللبنانية بلا موضوع، وذلك بعد استيلاء إسرائيل على هذه المنطقة. مقدمات التنقيب هذه جاءت مرحّلة، بحسب ما يرد في الاتفاقات التي وقّعتها شركة إنيرجيان إلى العام المقبل، الأمر الذي لا يُلزم «إسرائيل» بالتنقيب المباشر على المدى القصير، ويتيح لها فحص نيّات لبنان وتوجّهاته، إن قررت العمل بشكل أحادي.
وخلا التقرير العبري من أي إشارة الى لبنان والمنطقة المتنازع عليها والعملية التفاوضية غير المباشرة على الحدود البحرية، واقتصر على جزء من مضمون الاتفاقات الموقعة، مع التأكيد بحسب ما ورد من شركة إنيرجيان، أن «لِخطة التنقيب قوة كامنة في مضاعفة أساس احتياط إسرائيل من الغاز»، ما من شأنه إضفاء صدقية على الإعلان العبري، مع الأمل بقدر أكبر من التأثير على لبنان، وإن مع ترحيل التنفيذ للعام المقبل.