عوّدتنا «دولة» العدو الاسرائيلي، انها كلما أرادت القيام بأي عمل عسكري، فإنها تمهّد له بتصريح مسبق، وهذا ما حدث في عدوان عام 1967، الذي استطاعت «إسرائيل» خلاله، احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية.. ولا أنسى هنا ضرب «إسرائيل» للبارجة العسكرية الاميركية «ليبرتي» قرب الشواطئ المصرية في رابع أيام حرب 67، فَأُغرقت البارجة وقُتِل 34 بحاراً أميركياً من بحارتها وجرح 171… يومذاك رفضت الادارة الاميركية ولا تزال فتح تحقيق في الواقعة، والإصرار على إغلاق هذا الملف، وكأنّ البارجة ليست أميركية، ومَن قُتِلوا ليسوا بحارة أميركيين.
قبل حرب الـ67 أجرى صحافي هندي اسمه كارانجيا حديثاً مطوّلاً مع وزير الدفاع الاسرائيلي حينها موشي دايان، وشرح دايان للهندي أنّ إسرائيل ستدمّر الطائرات العربية في مرابضها بضربة سريعة، ثم تصبح «السماء» ملكاً لها، فتحسم الحرب لصالحها.
وحينما تساءل كارانجيا باستغراب: كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة..؟ ردّ عليه دايان ببرود: لا عليك فالعرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبّقون… وعليه قام الكاتب الهندي بتأليف كتابه الخطير بعنوان «خنجر إسرائيل»، روى فيه تلك المقابلة.
وفي عام 1982 وتحديداً في أوائل شهر شباط، صدرت جميع الصحف اللبنانية بـ»مانشيت» تقول: إنّ اجتياحاً إسرائيلياً سيصل الى مشارف بيروت.
وفعلاً، وفي الخامس من حزيران قامت إسرائيل باجتياح لبنان، وجنّدت 150 ألف عسكري، وكان الهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية وذلك بعدما ارتكبت الدول العربية أكبر جريمة في تاريخ لبنان بسماحها للمقاومة الفلسطينية بالعمل العسكري ضد إسرائيل انطلاقاً من لبنان.. وهكذا استطاعت المقاومة أن تقيم قواعد لها في جنوب لبنان. والجميع يتذكر منطقة العرقوب و»فتح لاند».. بالإضافة الى تكليف المقاومة الفلسطينية بحماية المخيمات الفلسطينية… وهكذا تذرّعت إسرائيل بهذه الحجّة للقضاء على المقاومة، وحاصرت بيروت مائة يوم، وكانت تقصفها من الجو بالطائرات، ومن البر بالدبابات، ومن البحر بالمدفعية… وهكذا احْتُلّت بيروت وَأخْرِجَت المقاومة الفلسطينية.
نقول هذا الكلام لنؤكد أن نظرية الاعتداء الاسرائيلي يسبقها إنذار بأنها ستقوم بعمل عسكري وتحدّد الهدف المنوي توجيه الضربة إليه.
وهنا لا بد من أن نذكر أمرين اثنين يؤكدان بأنّ إسرائيل هي التي فجّرت مرفأ بيروت:
الأمر الأول، تصريح أدلى به متحدث باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي هو «أفيخاي أدْرعي» في تغريدة عبر «تويتر» في 24 تموز من العام 2019 حيث قال، وفق معلومات استخباراتية، إنّ إيران وجهات سوريّة تقوم بتهريب مواد ثنائية الاستخدام الى لبنان من خلال مرفأ بيروت بهدف تعزيز تطوير مشروع «حزب الله» لإنتاج الصواريخ.
وأشار أدرعي الى ان إيران من خلال «فيلق القدس» تستخدم مرفأ بيروت لنقل مواد ثنائية الاستخدام الى «حزب الله» حيث أصبح الميناء كأنه تابع للحزب. لافتاً الى ان إيران وحزب الله يستخدمان جهات سورية تقوم بشراء هذه المواد من شركات أجنبية وتقوم بنقلها الى لبنان عبر مرفأ بيروت، بعد أن تخدع الشركات الاجنبية وتخفي هدف المواد الحقيقي.
الأمر الثاني انه بتاريخ 13 تموز 2020 حدث هروب عز الدين الحاج علي بدر مسؤول وحدة الضفادع البشرية، لحركة حماس في قطاع غزة الى إسرائيل كجاسوس متعامل معها، وهو في الوقت نفسه، نائب قائد قواتها البحرية، وسرق معه الى إسرائيل، الحاسوب المركزي لحركة حماس.
إنّ موقع هذا المسؤول ومعلوماته كافية بالنسبة لإسرائيل لتأكيد معرفتها بما يجري في مرفأ بيروت، ولحيازة معلومات عن وظيفته في الصراع الذي يجري.
أليْس هذا الامر كافياً للمحقق القاضي طارق بيطار ولغيره، لوضع فرضية «ضرب» المرفأ وتفجيره؟
أمر ثالث لا يمكن تجاهله، أثاره الاستاذ محمد السماك في إحدى مقالاته، هو: لماذا امتنعت جميع الدول، وخصّ بالذكر «فرنسا وإنكلترا والولايات المتحدة، واليونان وتركيا وإيطاليا وروسيا» من تزويد لبنان بالصور والمعلومات، رغم وجود قواعد لها في قبرص وحميميم جنوب شرق مدينة اللاذقية، وغيرهما.
أليْس هذا دليلاً ثابتاً على دور إسرائيل في تفجير مرفأ بيروت؟