IMLebanon

أوسِمَةٌ إسرائيلية للسلطة اللبنانية الفاسدة

 

أعرفُ، أنَّ مَنْ يقرأُني اليوم قد يشعر بشيءٍ من الغرابة والمهابة، فأرجو أنْ يتّسع معي الصدر فلا يكون الإستنتاج خلافاً لمرامي القصد.

 

أقول لنفترض: ولا سمحَ الله ولا سمَح لبنان، ولا سمحتِ المقاومة الوطنية، ولا سمَح الشرف الوطني بهذا الإفتراض السلبي المريب.

 

ولكن، من أجل إبـراز المشهد اللبناني بوَجههِ الصاعق، لنفترض مثلاً: أنْ تتمكّن إسرائيل من إحتلال لبنان والسيطرة على كيانـه وسائر مؤسّساته، فهل يمكن، وبفعل غريزة التوحّش عندها أنْ تتوصّل إلى ما وصل إليه لبنان اليوم..؟

 

هل كانت تتمكّن من زعزعة كيانه التاريخي وحضوره العالمي وصيغته النموذجية، وتهديم مؤسساته: السياسية والإدارية والإقتصادية والمصرفية والفندقية والقضائية والإستشفائية والثقافية والإعلامية.. وهذه كلُّها تشكّل مقاومة ضارية ضـدّ إسرائيل، وأسلحةً فتّاكـة في وجـه أطماعها المستقبلية وطموحها التاريخي…؟

 

أعرف أنّ هذا التصوّر قد يحدث قشعريرة رفضٍ ذهنية، ولكنني أعرف في المقابل أنّ كلّ ما واجهناه وكتبناه وكتبوا.. وكلَّ ما عارضناه وعارضه العالم الحـرّ حـول واقع لبنان ومآسيه، وأنّ كـلّ القواميس السياسية والنواميس الدستورية لم تشكّل لـدى أهل الحكم والمسؤولين السياسيين عندنا، أيّ زاجر وعِبـرة أوْ تعقُّل، بل ظلّوا على ضلالهم المبين وكأنهم يعيشون في اللاّمكان واللاّزمان.

 

أستخدم هذه المقارنة الصادمة لعلّها توقظ البصائر والضمائر.

لعلّ الذين ارتكبوا المجازر يتذكّرون المقابر…

ولعلّ الخلَف السياسي الصاعد لا يتشبّـه بالسلَف السياسي الفاسد…

 

ولعلّ الشعب الراكد في غياهب الوهم ينتفض لمحْـوِ العار عن الشرف الوطني، حتى ولَـوْ أُريقَ على جوانبهِ الـدمُ.

 

إذا كانت إسرائيل تعتمد استراتيجية مزدوجة: عسكرية واقتصادية، فإن فشلتْ هذه قـد تنجح تلك، فإنّ أكثر ما يُرهب إسرائيل تفوّق لبنان في المجال المالي والإقتصادي والتجاري الذي بـه ينافسها ويضاهيها انتشاراً على أيدي أبنائه البارعين في العالمين: العربي والخارجي.

 

وأكثر ما يرعب إسرائيل صيغةُ لبنان النموذجية التي تسفّـهُ عنصريتها وتشكل مثالاً فريداً للتعايش بين الأديان التي تُستغلّ وسيلةً للحروب.

 

وأكثر ما يقلق إسرائيل أنْ يكون لبنان المزدهر مركزاً لاستقطاب الرساميل والإستثمارات، ومنتجعاً رائداً للسياحة والإصطياف، وأن تكون بيروت مركزاً تجارياً ومنتدىً فكرياً وثقافياً وإعلامياً راجح الوقْـع والإنتشار، بل إنّ أكثر ما يزعجها في بيروت هو مرفأ بيروت ، هذه «البيروت» التي أصبحت عاصمة ثكْلى.

 

وأكثر ما تستهدفه إسرائيل هو تفريغ لبنان من مهارة أبنائه والنُخـب، ومطاردة الأدمغة اللبنانية النابغة، وهي التي تسدّد السهام على المسيحيين منهم، والذين يتصدّرون امتلاك المنشآت الإقتصادية في شتى قطاعاتها، فيما المسيحيون يحجّمون أنفسهم ويطالبون بحقوق المسيحيين.

 

كلّ ما يشكّل مضاربة فادحة لإسرائيل قد بـدّدناه على أيدينا، وحطّمناه على رؤوسنا، حتى أصبح إنقاذ لبنان أشرس حربـاً ضـد إسرائيل من محاربتها على الحدود.

 

لا… لن تتمكن أيُّ حـربٍ تشنُّها إسرائيل على لبنان منْ أن تحقّـق أغراضها فيهِ، كمثل ما سبَّـبتهُ السلطة الغبّيـة من انهيار وتدميـر وتفجيـر وتفقيـر وتهجيـر، ولم يبـق إلاّ أنْ تعلّق إسرائيل الأوسمة على صدور أهل الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان.

 

من قبلُ، لم نكُـنْ نخاف على لبنان لأنـه ظـلّ محافظاً على مستواهُ النموذجي ومعايشة حضارة التاريخ في حلوهِ كما في مُـرِّه.

 

أما اليوم وقد راح لبنان ينقطع عن تاريخه وعن جغرافية العالم، فقد أصبح الذي يُخيف إسرائيل في لبنان هو الذي يُخيفنا.

 

نحنُ نخافُ مِـنْ نحنُ…

ونخاف من هذا اللبنان على لبنان…

ونخاف على وجودنا في الزمن الحاضر…

 

ونخاف على المستقبل من المستقبل…

إلاّ إذا رحلَتْ هذه الطبقة السياسية الفاسدة، سـواءٌ بإرادة ذاتية أو بإرادة الله.