أكدت إسرائيل، عبر مسؤوليها، أن منصة الحفر اليونانية لم تتخط الخط 29 جنوباً، بل لم تقترب منه. كما أكدت أن المنصة لم تدخل حقل «كاريش» الغازي، وإن كان في معظمه خارج الخط الحدودي «التفاوضي» المعلن من جانب لبنان. فهل جمّدت تل أبيب نياتها العدائية بعدما تلمست الخطر؟ أم أنها بالفعل كانت حذرة ومرتدعة، إلى حد الامتناع مسبقاً، عن تجاوز المحظور اللبناني؟
المؤكد أن العدو يلتزم حدّه المقرر له، وإن كان التزامه مبنياً على ردع قد يكون في ماهيته غير ثابت ويتحرك مع ما تراه تل أبيب من ظروف وعوامل قد تتناسب مع نياتها العدائية. وهنا على العين اللبنانية أن تكون شاخصة دائماً إلى الثروة الغازية اللبنانية، ليصار إلى فرملة العدو إن اخطأ تقدير موقف لبنان، وتحديداً موقف مقاومته، صاحبة الفضل الأول في ردع العدو.
ما حصل في اليومين الماضيين في الحد البحري الجنوبي يؤكد أن المعادلة الردعية مع العدو ثابتة، وتحرص تل أبيب على أن لا تتجاوزها، حتى وإن قدرت خطأ أن الظروف المحيطة بقرار المقاومة قد تلجمها عن الرد على اعتداءاتها البحرية. وهو ما يفسر المقاربة الحذرة جداً، والتدريجية، قبل الوصول إلى الخط البحري 29، ناهيك عن تجاوزه، الأمر الذي سمح لإسرائيل أن تفرمل نفسها عن تحقيق نياتها العدائية.
حتى الأمس، لم تكن منصة الحفر اليونانية قد دخلت حقل كاريش الغازي، وبقيت كيلومترات بعيدة منه. ولا يبدو أن قرار الابتعاد مرتبط بتريث قبل اتخاذ قرار دخول الحقل، بل للانتهاء من البنية التحتية التي تتيح للمنصة العمل على استخراج الغاز من آباره الواقعة في القسم الجنوبي منه، وإن كان ذلك لا يعني، بالضرورة، أن «شهية» الإسرائيلي لن تتغير. فبين الخرق واللاخرق للخط 29، مسافة كيلومترات معدودة، لا يحول دونه إلا قرار، قد تخطئ إسرائيل في اتخاذه، وفقاً لحسابات تقديرية خاطئة.
وكما كان متوقعاً، تحدث المسؤولون الإسرائيليون بعد صمت لافت في الأيام الماضية، وبعد أن تقرر اللاخرق والامتناع عن تجاوز المحظور اللبناني. الأمر الذي أتاح لوزير الأمن، بني غانتس، الحديث عن أن «المنصة وصلت إلى موقعها كما هو مخطط لها، داخل المنطقة الإسرائيلية، في مكان ليس موضع نزاع»، مشيراً إلى أن كل هذه المسألة خارج صلاحيات ومهمات المؤسسة الأمنية في إسرائيل، التي تعنى فقط بـ«حماية المنصة والمنطقة البحرية حيث توجد». وقال غانتس، إن «ما يرتبط بموضوع الخلاف مع لبنان، يحل في إطار المفاوضات ومن خلال وساطة الولايات المتحدة».
بين الخرق واللاخرق للخط 29 كيلومترات معدودة لا يحول دونه إلا قرار قد تخطئ إسرائيل في اتخاذه
بدورها، قالت وزيرة الطاقة في حكومة العدو، كارين الهرار، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إن «منصة كاريش وحقل كاريش لا يقعان بالقرب من الخط الذي لا توافق عليه إسرائيل (الخط 29)، وهو بحسب ادعاء اللبنانيين الخط الحدودي. وهو ليس الخط الذي أودعوه الأمم المتحدة. اقترح على اللبنانيين العودة إلى المفاوضات، فإزاء الحقل (كاريش)، جزء صغير منه هو موضع خلاف، ربما تستخرجون الغاز بأنفسكم، فليس عليكم الطمع بغاز الآخرين».
ورغم حرص تل أبيب، كما تعلن، على عدم تجاوز الخط 29 الذي حدده لبنان خطاً حدودياً بحرياً مع فلسطين المحتلة، إلا أن الجيش الإسرائيلي يعمل وفق أسوأ الفرضيات، كون وجود المنصة اليونانية قريباً من منطقة نزاع مع لبنان، وإن كانت بعيدة نسبياً من الخط 29.
وذكرت تقارير عبرية أن سلاح البحرية الإسرائيلي يعمل على تأمين المنصة والبنية التحتية في حقل كاريش والمنطقة الواقعة إلى الجنوب منه حيث تتموضع المنصة اليونانية وتوابعها. وتشمل الاستعدادات العسكرية تحديد منطقة «تقييد إبحار» حول المنصة لمسافة 500 متر من الحافة الخارجية للمنصة، وضمن دائرة قطرها 1500 متر حول موقعها، لتمكين الأنظمة الدفاعية من تحديد هويات السفن والقطع البحرية المختلفة المقتربة منها، وتشخيص العدائي منها.