هل الجيش الإسرائيلي جاهز لخوض الحرب المقبلة في مواجهة حزب الله؟ سؤال لا يغادر طاولة القرار والتقدير في تل أبيب، ولا يغيب عما يصدر عن المؤسسات البحثية والإعلامية العبرية، عبر السنوات الماضية.
اللافت أن سؤال الجهوزية حاضر بسبب أو بلا سبب، مع جواب ثابت يؤكد على الجهوزية والانتهاء من ترميم عيوبها. في المقابل، يبرز سؤال يُعمَل على إبعاده، وإن كان يفرض نفسه مع الاستحقاقات والتحديات الميدانية في فترات لم تعد متباعدة: ما الذي يمنع نشوب الحرب، إن كانت إسرائيل فعلاً جاهزة لخوضها؟
أكثر من ذلك، ما الذي يمنع إسرائيل من خوض حرب تؤكد أنها جاهزة لخوضها، والانتصار فيها، رغم أنها ستخاض لمواجهة تهديد سلاح حزب الله الذي يأتي وفقاً لترتيب التهديدات في بيئة إسرائيل الاستراتيجية في المرتبة الثانية بعد التهديد الوجودي للسلاح النووي الإيراني، والأول بعد ترحيل تهديد النووي الإيراني سنوات لاحقة؟
أنْ لا تبادر إسرائيل إلى خوض حرب، وهو من سمات معظم الحروب التي خاضتها عبر تاريخها، يعود الى سببين لا يمنع اتحادهما معاً: أن لا تكون جاهزة لخوض الحرب؛ أو أن يفوق ثمن الحرب الجدوى منها.
قد يرى البعض سبباً ثالثاً، وهو رهان إسرائيل على خيارات بديلة من شأنها أن تحقق لها نتيجة الحرب من دون أن تخوضها وتدفع ثمنها، كما هي حال الرهان على تطورات الوضع الداخلي في لبنان، أو تداعيات أزمته الاقتصادية والمالية وغيرهما. إلا أن هذا السبب الثالث نتيجة، تراهن عليها إسرائيل لتعذّر الحرب و/أو لتعذر دفع أثمانها، وليست سبباً في ذاتها.
على ذلك، يمكن فهم التغطية الخبرية اللافتة في الإعلام العبري، عن بضعة أشخاص يتظاهرون في لبنان رفضاً لسلاح حزب الله، أو الإسراع لترجمة ونشر تغريدة ما تهدف الى الإضرار بسمعة حزب الله ومكانته، أو الحديث عن هذه الشخصية وتلك، المعادية للمقاومة ووصفها بالمؤثرة في سياق «الحرب الداخلية» ضد حزب الله، ومن بين هذه الشخصيات من لم بسمع عنها اللبنانيون من قبل.
ألغِي من الوجود لواء مدرّع مجهّز بالكامل بالجيل الرابع من دبابة ميركافا
مع ذلك، ومنعاً للتخفيف من حدة التحديات الماثلة أمام الساحة اللبنانية، هذه الرهانات وغيرها، الكبيرة منها والصغيرة، تأتي في موازاة حرب شرسة غير عسكرية (للتعذر) تخوضها إسرائيل ومن معها ضد حزب الله، عبر خيارات واستراتيجيات ورهانات من «داخل الصندوق وخارجه»، وهو ما يُرَدّ عليه أيضاً من «داخل الصندوق وخارجه». بل إن التحدي بات أكثر قرباً من التسبب بسيناريوات متطرفة، بعدما لامست»الجرأة» تجاوز الحدود والقواعد الحاكمة للاشتباك بين الجانبين، بما يفضي الى الأسوأ.
في العودة الى حديث الجهوزية العسكرية وخوض الحروب، وهي أساس التهديدات الواردة من تل أبيب في هذه المرحلة، يجب التوضيح عبر الآتي:
أنْ لا تكون إسرائيل جاهزة لخوض الحروب في مواجهة أعدائها، سواء كانت حروباً ابتدائية أو ردية ــــ دفاعية، هو من ناحية تل أبيب تهديد في ذاته يصل في مستواه ليوازي التهديد الوجودي، وقد لا يقل أهمية وحضوراً عن تهديدات وجودية أخرى، تشكل هاجساً دائماً لتل أبيب.
لكن، إذا كانت الجهوزية الحربية منقوصة، أو مفقودة تماماً، بحسب ما يرد على لسان جهات عسكرية إسرائيلية وازنة، فتُريد إسرائيل أن تمنع أعداءها من الاقتناع بذلك وأن يبنوا عليه خطواتهم واستراتيجياتهم. وهذه، ربما، واحدة من أهم عِبر ودروس حرب عام 2006، التي أثبتت عملياً لاجهوزية الجيش الإسرائيلي.
منذ 14 عاما، تجهد القيادات العسكرية في تل أبيب كي ترسخ في وعي أعدائها، وتحديدا حزب الله، أن إسرائيل على نقيض عام 2006 باتت جاهزة لخوض الحرب المقبلة، بمعزل عن المعطيات المادية وغير المادية التي تحدد الجهوزية العسكرية لخوض الحروب، علماً بأن حديث الجهوزية يتكرر دورياً على لسان القيادات في تل أبيب، مع مفارقات لافتة.
عبارات الجهوزية ثابتة منذ 14 عاماً: «الجيش الإسرائيلي جاهز الآن، على نقيض مما سبق، وبات بإمكانه خوض الحرب المقبلة». وجهوزية «الآن»، ليست حصراً قياساً على جهوزية عام 2006 المنقوصة، بل نتيجة جهد قيادة الأركان في زمن التأكيد عليها.
على ذلك، بات الحيش الإسرائيلي جاهزاً لخوض الحرب في مواجهة حزب الله، بعدما خضع لخطة الترميم التي عمل عليها رئيس الأركان ما بعد الحرب، غابي أشكنازي عام 2007 (وزير الخارجية الحالي) ثم بات جاهزاً لخوض الحرب نفسها بعد خطة استعداده التي أقرها بني غانتس (وزير الأمن الحالي) ما بعد عام 2011، وعاد ليكون جاهزاً وفقاً للاستراتيجيات الخاصة والاستعداد الحربي القتالي الفريد، لرئيس الأركان غادي أيزنكوت، وحالياً سيكون جاهزاً على يد رئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي بانتظار تنفيذ خطة «تنوفا» متعددة السنوات، فيما الوضع المقدَّر لرئيس الأركان المقبل، بعد أن يتولى المنصب في غضون سنوات، أن يكون الجيش الإسرائيلي جاهزاً لخوض الحرب والانتصار فيها.
لا يعني ما تقدم التقليل من قدرة العدو العسكرية، ولا يعني كذلك تعظيماً زائداً لقدرة مركّبات محور المقاومة في الجانب الآخر، بل يعني ــــ حصراً ــــ توضيح معاني وأهداف واحدة من أهم المقولات التي ترد في تصريحات وكتابات إسرائيل عن الحرب وجهوزية خوضها، والتأكيد أنها تأتي في سياق التهديدات المعتادة التي تحرّكها الخشية من الآتي، من دون أي ربط حقيقي وفعلي بواقع الجيش الإسرائيلي وأرجحية ما يمكن أن يقدم عليه.
نعم… غير جاهزين
مع ذلك، يرد عن إسرائيل الشيء ونقيضه. فبحسب صحيفة معاريف، توجّه «قادة عسكريون رفيعو المستوى في منظومة الاحتياط القتالي للجيش الإسرائيلي»، برسالة خاصة إلى مفوض شكاوى الجنود السابق اللواء يتسحاق كريك، يؤكدون شكوكه المعلنة إزاء جهوزية الجيش الإسرائيلي: «نضمّ صوتنا الى صوتك بكل ما يتعلق بأهلية جهاز الاحتياط، ونريد دعمك في صراعك وتحذيرك من السلوك التنظيمي السيئ للقادة وتفكيرهم المحدود في العمل على إلغاء قرارات الضباط الذين سبقوهم في المنصب، وذلك فور استبدالهم والحلول مكانهم».
في رسالة الضباط لكريك، الذي يعدّ من أهم الضباط الذين تجرّأوا على تظهير حقيقة موقفهم التشكيكي بما يتعلق بجهوزية الجيش لخوض الحروب وتحديداً البرية منها، ذُكِر مثال على تدابير وإجراءات عمد إليها كوخافي في الآونة الأخيرة، وقد يكون فيها مصداق لـ«الجهوزية الآنية»، التي لا ترتبط بمبنى وتوجهات الحيش لاستكمال جهوزيته كمؤسسة، بل ربطاً بأشخاص المسؤولين فيه:
«كجزء من الخطة المتعددة السنوات «تنوفا»، أُلغي لواء مدرع من الوجود. والحقيقة التي لم يجر الحديث عنها، أن هذا اللواء أنهى عملية تحول طويلة استمرت ثلاث سنوات، الى لواء مجهز بالكامل بدبابة ميركافا من الجيل الرابع، وذلك وفقاً لأوامر رئيس الأركان من العام 2016»، في إشارة الى رئيس الأركان السابق، غادي أيزنكوت. وإلغاء لواء مدرع مجهز بميركافا 4، دليل على أن اللاجهوزية لخوض الحرب البرية باتت ثابتة أكثر في وعي الأركان العامة للحيش الإسرائيلي، ويؤكد تشكيك اللواء كريك، بل يقينه، بأن لا استعداد لدى إسرائيل لخوض الحروب والقتال البري، الذي تهدد به لبنان وحزب الله.