IMLebanon

إسرائيل تحتفي بصاروخ باليستي!

 

 

ليس حدثاً أن يجري جيش العدو تجربة على صاروخ باليستي بمدى 400 كلم، ودقيق الإصابة، بل الحدث أن تحتفي إسرائيل بامتلاك هذا النوع من الصواريخ، الذي لا يضيف إلها الكثير على المستوى النوعي، بالقياس الى ما يفترض أنها تتمتع به من تفوّق عسكري وتكنولوجي، ومع ما تحتله من موقع في معادلة القوة الاقليمية. مع ذلك، يبدو أن مجموعة اعتبارات أملت على كيان العدو تحويل تجربة صاروخية محدودة (قياساً إلى الترسانة الاسرائيلية)، الى حدث كما لو أن اسرائيل نجحت في امتلاك قدرات لم تكن في حوزتها سابقاً. ولم يقتصر الأمر على المعلقين الاعلاميين، بل إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دخل على خط التوظيف، محاولاً توجيه رسائل نحو الداخل والخارج، فاعتبر أن «هذه التجربة الناجحة التي أجريت اليوم تحمل بشرى سارة أخرى بالنسبة إلى المواطنين الإسرائيليين، وبشرى سيئة أخرى بالنسبة إلى أعداء إسرائيل»، مضيفاً أنه «في موازاة حربنا على فيروس كورونا، نواصل الحفاظ على أمن إسرائيل، في الدفاع وفي الهجوم».

 

من دون التقليل من أهمية المزايا التي تتمتع بها القدرات الصاروخية الاسرائيلية، لكن إسرائيل نفسها تتحدث وبشكل مركز عن آلاف الصواريخ البالستية لدى حزب الله، والقادرة على دكّ العمق الاستراتيجي للكيان. في المقابل، أثبتت كل الحروب التي خاضتها إسرائيل أنها كانت تعتمد في شن هجماتها ضد أعدائها وفي اتباع سياسة تدميرية واسعة، على سلاح الجو، وهو الأكثر تطوراً في منطقة الشرق الاوسط، والقادر على بلوغ آلاف الكيلومترات. لكن يبدو أن هناك نوعين من الاعتبارات قد يكونان أمليا هذا الأداء الرسمي والاعلامي الاسرائيلي مع تجربة صاروخية تقليدية، الأول مهنيّ والثاني نفسيّ.

يعود الاعتبار الاول الى إدراك المؤسسة العسكرية أن سلاح الجو لم يعد قادراً على التعامل الناجع مع الحجم الهائل للقدرات الصاروخية لدى حزب الله ومحور المقاومة. وفي ضوء ذلك، شخَّصت الحاجة الماسة الى قوة رديفة لسلاح الجو لإحداث قدر من التوازن التدميري والصاروخي، مع مئات الآلاف من الصواريخ المتوافرة لدى محور المقاومة والمنتشرة على مساحات واسعة في المنطقة.

الثاني، أدركت القيادة العسكرية الاسرائيلية أيضاً، أن سلاح الجو لن يملك الحرية التي كان يتمتع بها في أي معركة كبرى على مستوى المنطقة. ونتيجة تطور قدرات محور المقاومة وتنوعها سيكون سلاح الجو معرّضاً لنوعين من المخاطر؛ الاولى مخاطر إسقاط الطائرات أو تشويش قدرتها على تنفيذ مهامها، والثانية المخاطر التي تمثّلها الصواريخ الدقيقة ضد قواعد سلاح الجو التي تقع ضمن مرمى صواريخ حزب الله ومحور المقاومة، ومن خلال ذلك إمكان تدميرها و/أو تعطيلها. كل ذلك بالاستناد الى ما تقرّ به إسرائيل في وسائل إعلامها وعلى لسان قادتها العسكريين.

 

بدا مدير قسم الصواريخ الإسرائيلية، وهو يتحدث عن الصاروخ، كما لو أنه يتحدث عن مزايا صواريخ حزب الله

 

 

بالتناغم مع ما أعلنه المتحدث باسم جيش العدو، عن إطلاق صاروخين باليستيين من عرض البحر صوب هدف تم تحديده مسبقاً في البحر على مسافتي 90 كيلومتراً و400 كيلومتر، انطلق المعلقون العسكريون في الحديث عن «نجاح إسرائيل في تطوير صاروخ باليستي يتمتع بقدرات مثيرة للانطباع، حيث من المتوقع أن يكون من الاسلحة البارزة في حال اندلاع حرب مع حزب الله في لبنان أو ضد أهداف في الساحة السورية». وهذا ما يدفع الى التساؤل عما إذا كان أكثر فعالية ودقة من سلاح الجو، ومن قدراته التدميرية، والمدى الذي يمكن أن تبلغه!

اللافت أن هؤلاء المعلقين تغنّوا بمزايا، أبلغهم بها الجيش، هي نفسها التي تتمتع بها صواريخ حزب الله، ويعرب القادة الاسرائيليون على الدوام عن تخوّفهم منها. فالحديث عن هامش خطأ 10 أمتار لهذا الصاروخ، هو المسافة التي تحدث عنها نتنياهو ومن على منبر الامم المتحدة لصواريخ حزب الله. لكنه لم يضف ما قاله المعلق العسكري في التلفزيون الاسرائيلي عن أن صاروخاً بهذه الدقة يعني أنه قادر على «الوصول إلى داخل شقة بشكل محدد وإلى الطابق والبناء». ومن دون أن يدري، بدا مدير قسم الصواريخ والفضاء في الصناعات الجوية الإسرائيلية، «بوعاز ليفي»، وهو يتحدث عن معاني دقة هذا الصاروخ، كما لو أنه يتحدث عن مزايا صواريخ حزب الله، فاعتبر أن «من يمتلك مثل هذا السلاح يستطيع الوصول إلى كل نقطة يريدها، وتدميرها بصورة نقطوية، سواء كان مركز قيادة أم مخبأً أم نقاط تجمع، كل شيء يريد الوصول إليه بدقة كبيرة وإنهاء المهمة».

مع ذلك، لا يمكن إغفال البعد النفسي الذي بات يحمله السلاح الصاروخي، بعدما نجح حزب الله ومحور المقاومة في إدخاله ضمن معادلة الردع والتوازن في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد تكون الرسالة النفسية تحقق غاياتها في الساحة الداخلية الاسرائيلية، إلا أن من المؤكد أنها لن تحدث فرقاً لدى حزب الله وبيئته، لكونها لن تغيّر شيئاً في معادلات القوة، بل تؤكد فعالية القدرات الصاروخية التي يمتلكها حزب الله ومحور المقاومة، وهو ما دفع العدو الى تطوير هذا النوع من الصواريخ.