Site icon IMLebanon

الإفلات من العقاب ليس أبدياً!

 

 

لا يمكن التعويل على خلاف أميركي- إسرائيلي بهدف تغيير مسار الأمور التي تسير عليها في غزة التي لا تزال تحت القصف الإسرائيلي من دون أي ضوابط منذ أكثر من ثلاثة أشهر وهو ما يعتبر بمثابة إبادة جماعيّة موصوفة، حتى ولو حصلت بعض التباينات السياسيّة المحدودة.

 

صحيحٌ أنّ «الكيمياء» السياسيّة والشخصيّة بين الرجلين لم تكن في أعلى درجاتها قبل الحرب، إلا أنّ ما حصل في السابع من تشرين الأول أدّى إلى وضع الخلافات جانباً، حيث سارع الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة تل أبيب خلال الحرب، لا بل في أيامها الأولى وهو أمر نادر الحصول بالنسبة لحركة الرؤساء الأميركيين.

 

وغنيٌ عن القول إنّ واشنطن كانت ولا تزال توفر الغطاء السياسي الدولي المطلوب كما وأنّها تمد إسرائيل بالدعم العسكري واللوجستي وتقود خط الدفاع عنها في مجلس الأمن ولا تتردد في استعمال حق النقض فيه لردع أي محاولة لاستصدار قرار بوقف إطلاق النار قبل أن تنجز تل أبيب مهمتها، وهي مهمة مستحيلة بالمناسبة، فلا الأسرى تم فك احتجازهم بواسطة العمليّات العسكريّة (لا بل بعضهم لقوا حتفهم بالنيران والقصف الإسرائيلي) ولا تم القضاء على حركة «حماس».

 

وإذا كان النقاش بين بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تطرّق مجدداً إلى «حل الدولتين»، فإنّه قد وصل إلى حائط مسدود نتيجة الرفض الإسرائيلي القاطع لإقامة دولة فلسطينيّة وفق قرارات الأمم المتحدة أو مبادرة السلام العربيّة التي لم تكترث تل أبيب يوماً لها منذ إعلانها في قمة بيروت العربيّة (2002).

 

في المواقف الإسرائيليّة، لا سيّما تلك التي يحرص رئيس الوزراء على تكرارها، «تذكير» بأنّ «إسرائيل هي دولة ذات سيادة»، وأنّها لا تقبل أن تُفرض عليها أي حلول سياسيّة للصراع مع الفلسطينيين حتى ولو كانت من الحليف الأقرب والأقوى لها أي واشنطن.

 

في المقلب الأميركي، يعوّل الرئيس الأميركي على مشارف الانتخابات الرئاسيّة بعد أشهر قليلة على أن يحدث خرقاً في قضيّة الصراع العربي- الإسرائيلي لا سيّما على ضوء تراجع شعبيته إلى مستويات غير مسبوقة بالإضافة إلى الصعود الصاروخي لخصمه اللدود الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يستعد للعودة إلى البيت الأبيض متجاوزاً كل الملفات القانونيّة التي تقف في طريقه.

 

وكان لافتاً جواب بايدن عندما سئل عن تخوفه من أن يخسر الأصوات العربيّة في الانتخابات الرئاسيّة على ضوء استمرار الحرب الإسرائيليّة على غزة والتعاطف الشعبي من العرب في الولايات المتحدة مع قضيّة فلسطين، مذكراً بأنّ خصمه السياسي أعلن عن نيته بإصدار قرار بمنع المهاجرين العرب من الدخول إلى البلاد في حال انتخابه مجدداً، وكأنّه يمسك بهؤلاء الناخبين من اليد التي تؤلمهم، وأن بالتالي عليهم الاختيار بين مسارين لا يقلان خطورة عن بعضهما البعض.

 

في اللقاء الإعلامي اليومي الذي يعقده المتحدث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة مع الصحافيين في واشنطن، قلما استطاع تقديم إجابة واحدة مقنعة عندما يمطره هؤلاء بالأسئلة المحقة عن الاستهدافات الإسرائيليّة في حرب غزة وكان آخرها تفجير مبنى جامعيّ وقبلاً المستشفيات ومراكز المؤسسات الدوليّة التابعة للأمم المتحدة مثل «الأونروا» وسواها. غالباً ما تتمحور إجاباته بأنّ حكومته «تستفسر» من الحكومة الإسرائيليّة عمّا يحدث وأنها بانتظار إجابات لم تأت يوماً، ولن تأتي في غالب الظن.

 

ما يجري في قطاع غزة مناقض للتاريخ والأخلاق والمنطق، ومهما طالت الحرب، فلا بد أن تضع أوزارها وأن تتكشف الحقيقة يوماً. وإذا أفلتت إسرائيل من العقاب منذ نشوئها على مدى عقود، فهذا لا يعني بالضرورة أنّ الوضع سيبقى كذلك مستقبلاً.