IMLebanon

جيش العدو يبدأ «حرب الميزانية»… والعين على حزب الله

 

 

يصح القول إن المواقف التي أطلقها رئيس أركان جيش العدو أفيف كوخافي، وعبّر فيها عن إصراره على تنفيذ خطة «تنوفاه» المتعددة السنوات لبناء قدرات المؤسسة العسكرية، تشكّل امتداداً للسجالات التقليدية التي تشهدها إسرائيل بين الجيش ووزارة المالية مع كل عملية إعداد للميزانية العامة، بما فيها الميزانية الأمنية. ومع أن الغلبة، في معظم التجاذبات السابقة، كانت لمصلحة الأمن على حساب الاقتصاد، إلا أن القلق في مبنى «الكرياه» (قيادة الجيش ووزارة الأمن) ينبع من إدراك حقيقة أن ما تواجهه إسرائيل ـــ كما بقية دول العالم ـــ يختلف في أبعاده ووتيرته عن كل الأزمات الاقتصادية السابقة، وقد يترك بصمات فاقعة على خيارات الحكومة المالية، بما فيها الميزانية المفترضة لتطوير قدرات الجيش في مواجهة التهديدات الإقليمية المتصاعدة.

 

مع ذلك، ومن دون أدنى وهم حول إمكانية أن تتجاهل حكومة العدو متطلبات الجيش لتطوير قدراته، إلا أن هناك وقائع متسارعة تفرض نفسها على إسرائيل ككيان وجيش لا يمكن تجاهلها، وهو ما دفع كوخافي الى خيار استباقي بإطلاق صفارة بدء «حرب الميزانية». هذا الواقع أقرّ به كوخافي بنفسه، قبل عدة أسابيع، بالقول: «من الواضح أن الجيش سيضطر الى ملاءمة نفسه مع الواقع الاقتصادي الجديد». لكن مواقفه الجديدة تؤشر الى عدم استعداده لملاءمتها مع المستجد الاقتصادي. هذه الوقائع الضاغطة عبّرت عنها جهات رسمية واقتصادية في كيان العدو، اعتبرت أن كل التقديرات إزاء عمق الأزمة واستمرارها وآثارها الاقتصادية تتسم بمنسوب مرتفع من اللايقين، ما قد يضع القيادة السياسية أمام خيارات محدودة.

هذا الجو التشكيكي انعكس أيضاً في مواقف وزير الأمن بني غانتس وفي محيط كوخافي. فقد شكَّك الأول في إمكانية التوصل الى اتفاقيات مشابهة لتلك التي جرت بين المالية والأمن في الحكومة السابقة. وربط ذلك بالهوة العميقة للميزانية العامة الناتجة عن أزمة كورونا. ويبدو أن الأجواء نفسها تسود في محيط رئيس الأركان، حيث وصف بعضهم مواقفه بأنها «خطيرة». واستندوا في ذلك الى أن «التعاطف الجماهيري في هذا الوقت هو مع أصحاب المصالح التي انهارت، وليس مع ضباط الجيش». وبحسب أحد المقربين منه، فإن مواقف كوخافي صحيحة من الناحية المبدئية، لكن الطريق الصدامي الذي اختاره خاطئ وقد يتسبب بأضرار.

لكن، في وقت يركز المنتقدون على الوضع الاقتصادي والمالي المستجد في إسرائيل، فإن عين الجيش ترصد تطور قدرات محور المقاومة، وخصوصاً حزب الله. ويدفعها الى استعادة مقولة رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، بأن «الحفاظ على الحياة أهم من الحفاظ على نوعية الحياة». ويبدو أن هذا الشعار أصبح أكثر ذي صلة في ضوء التحذيرات التي أطلقها كوخافي في شباط 2019، ثم أكدتها الاستخبارات العسكرية، من مفاعيل التطور النوعي لقدرات حزب الله الذي تحوَّل الى جيش لجهة ما يملكه من قدرات. هذا التطور أدى، بحسب تقدير الجيش والاستخبارات، الى تقليص الفجوة النوعية مع الجيش الإسرائيلي.

في المقابل، تهدف خطة الجيش ـــ بحسب العديد من المعلقين ـــ الى محاولة إعادة توسيع هذه الفجوة. لكن ما لم يلفت إليه هؤلاء أن حزب الله ومحور المقاومة ليسا في حالة مراوحة أيضاً، بل أثبتت السنوات السابقة أنه بموازاة مواجهة التهديدات الإرهابية والاعتداءات الإسرائيلية، كانا يواكبان ذلك بوتيرة متسارعة من بناء وتطوير قدراتهما.

في موازاة الأموال التي تحتاج الحكومة الى ضخّها، بهدف الحفاظ على القطاعات الاقتصادية واحتواء النتائج الاجتماعية والاقتصادية، ومحاولة تحفيز الاقتصاد، تشكل خطة الجيش «تنوفاه» أحد أهم الموارد التي تتطلب المزيد من النفقات بمستويات تتجاوز ما احتاجت اليه الخطط السابقة. وهو ما يُفسر، بحسب ما نقلته صحيفة «إسرائيل اليوم» أن كل من جلس مع كوخافي يلمس أن لديه مخاوف من أن تبقى «تنوفاه» حبراً على ورق.

في مواجهة هذا التحدي، فاجأ كوخافي وزارتَي المالية والأمن، بفتح «حرب الميزانية» على خلاف تفاهم مفترض بأن يتم بحث الميزانية الأمنية، في ضوء ما تحتاج إليه «تنوفاه»، بهدوء بين الطرفين. ويبدو أن محاولة الجيش الطمأنة بأن رئيس الأركان لم يقصد فتح سجال مع وزارة المالية، وإنما توجيه إنذار من مسّ محتمل بالأمن، لم تقنعهم، فاعتبروا أن المواقف التي أطلقها تشكل تحدياً ويمكن أن تقود الى مسار تصادمي يضع العراقيل أمام الطرفين في محاولة الوصول الى تفاهمات.

في هذه الأجواء، بات من الواضح أن التزام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قبل أزمة كورونا، بزيادة الميزانية الأمنية 4 مليارات شيكل في السنة، صار من الماضي، ويمكن أن يكون هجوم الجيش دفاعياً بهدف قطع الطريق على تقليص ميزانيته الأمنية. وبحسب «إسرائيل اليوم»، إن بقيت الميزانية الحالية على ما هي عليه الآن، فستكون معجزة.

الإرباك الذي تواجهه خطة الجيش تنبع من كونها أتت في ظل اشتباك سياسي داخلي غير مسبوق في تاريخ إسرائيل، أدى الى شلل حكومي استمر نحو 500 يوم، وانعكس ذلك تأخيراً في المصادقة على الميزانية العامة، ومن ضمنها ميزانية الجيش. وبعد ذلك أتت «غزوة» كورونا التي تستنزف الصحة والاقتصاد في إسرائيل، من دون وجود مؤشرات على حلول جذرية في المدى المباشر. وما فاقم من مخاوف الجيش، أن ذلك كله أتى أيضاً بالتزامن مع تعاظم قدرات حزب الله وتطوّرها الى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يشكل تهديداً استراتيجياً متصاعداً على الأمن القومي، وإذا لم تبادر إسرائيل لتحسين مكانتها الاستراتيجية والعسكرية فستكون لهذا المسار تداعيات من الصعب التكهّن بمآلاتها في المدى المنظور.