Site icon IMLebanon

تسلّل الأفارقة جنوباً: انكشاف نقطة ضعف أمنيّة لدى العدو

 

على مدى سنوات، أقنع الجيش الإسرائيلي مستوطني شمالي فلسطين المحتلة، وتحديداً سكان المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان، أن الإجراءات الوقائية والتكنولوجية المتطوّرة «لا تسمح بمرور البعوض من لبنان»، وأن «الموقف الدفاعي حاسم ويمكن الاطمئنان إليه». لكن ما كشفه الواقع في الأشهر الأخيرة، جراء ظاهرة تسلل الأفارقة عبر الحدود اللبنانية، «ضرب الثقة بإجراءات الجيش الإسرائيلي»، كما ورد على لسان المستوطنين، إذ ما لا يمنع تسلل أفارقة لا ينجح في منع تسلل حزب الله في «ساعة الاختبار».

 

في تقارير الإعلام العبري أمس حديث عن أن ظاهرة التسلل تثير القلق والخشية، وإن كانت لا تحمل في ذاتها بعداً أمنياً خاصاً. وتل أبيب، بحسب ما يرد في إعلامها تحميل الجانب اللبناني مسؤولية ما يحدث نتيجة تراخيه الأمني، وتطالب بأن يسارع إلى ضبط الحدود من جهته، ما يعطي صدقية لأسئلة المستوطنين عن الإجراءات الأمنية لمنع التسلل من لبنان.

وينبع اهتمام الجانب الإسرائيلي من ظاهرة التسلل من تداعياتها المتعلقة ببعدين اثنين:

أن الحدود مع لبنان تتحول، وربما باتت بالفعل، بديلاً لتسلل الأفارقة من الحدود الجنوبية لفلسطين المحتلة مع مصر، حيث الحدود أُغلقت بالفعل في وجه المتسلّلين جراء جهد مصري إسرائيلي مشترك وخطة يتشارك فيها الجانبان إلى جانب الإجراءات التكنولوجية المتطوّرة.

في الواقع، العدد الكبير نسبياً من المتسللين الذين جرى ضبطهم واعتقالهم ومن ثم ترحيلهم إلى لبنان، يدل على أن عمليات التسلل تنجح في قسم كبير منها، وإلا لكان الضبط والاعتقال كافييْن في ذاتهما لمنع تكرار المحاولات. وهذه الإشارة وحدها دليل على نجاحات المتسللين في الوصول إلى مقاصدهم من دون ملاحظتهم، وقدرتهم على تجاوز الإجراءات التكنولوجية المتطورة التي يتغنّى بها الجيش الإسرائيلي على الحدود.

بحسب ما يرد من تقارير عبرية، معظم المتسللين يتوجهون إلى أماكن يمكنهم العمل فيها، من دون إجازة إقامة، سواء في المجال الصناعي أو الزراعي. ويتوزع المتسللون، أو الأغلبية الساحقة منهم، على البقعة الجغرافية الممتدة من إصبع الجليل إلى نهاريا وما بعدها.

مع ذلك يمكن لإسرائيل أن تتعايش مع هذا البعد، بما يشمل عدد المتسللين وجنسياتهم ومقاصدهم من التسلل المبني على الدافع الاقتصادي دون الأمني، مهما كان العدد كبيراً نسبياً. لكن ما يُقلق إسرائيل هو البعد الثاني الأكثر إقلاقا لارتباطه بالتهديد الأمني من جانب لبنان، وهو في ذاته مشبع بالأخطار والتهديدات. وأضيف إليه جراء نجاح الأفارقة بالتسلل، انكشاف لثغر دفاعية بات بإمكان حزب الله استغلالها يوم المواجهة الكبرى، أو الأيام القتالية المحدودة، بل وأيضاً بوصفها منفذاً لبلورة خيارات ردّية على اعتداءات في لبنان.

يمثل البعد الثاني مكمن القلق الإسرائيلي الفعلي، وإن كانت التقارير الإعلامية إلى الآن، في حد أدنى، تتركّز على البعد الأول، بما يرتبط بتسلل الأفارقة والخسارة الاقتصادية المحدودة نسبياً جراء هذه الظاهرة.

من هذه الناحية، يكشف نجاح العدد الأكبر من المتسللين، هشاشة الإجراءات الإسرائيلية غير الفاعلة أمام أفارقة قادمين من بلاد بعيدة، وغير مطلعين على طبيعة الأرض والميدان والإجراءات الإسرائيلية، وبلا حرفية خاصة كتلك الموجودة لدى حزب الله المزوّد بالخبرة والرصد وجمع المعلومات والمعرفة المعمّقة للروتين الإسرائيلي وإجراءاته في الانتقال إلى الجهوزية وغيرها من المقوّمات.

ويتساءل المستوطنون عن الثغر الأمنية التي باتوا يتعايشون مع تبعاتها ونتائجها بشكل شبه يومي. رئيس المجلس المحلي في مستوطنة شلومي، غابي نعمان، هاجم إجراءات الجيش الإسرائيلي في ما يتعلق بظاهرة المتسللين، وقال إن مستوطنة «شلومي غير محمية من المتسللين وهو وضع لا يطاق». وطالب بالمعالجة السريعة لهذه الظاهرة التي باتت تقلق المستوطنين إلى حد كبير جداً. وعبّر عدد من المستوطنين في مقابلات مع موقع «واللا» الإخباري عن الخشية من الظاهرة التي يقابلها الجيش الإسرائيلي بـ«رواية القصص». وحسب ما قال أحدهم، فإن متسللين وصلوا إلى مدخل القيادة العامة للمنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، «من دون أن يلاحظهم أحد، ونحن بتنا بلا شعور بالأمن والاطمئنان».

 

وصل متسلّلون إلى مدخل قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال من دون أن يلاحظهم أحد

 

 

وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت في تقرير لها أمس، أن العشرات من الأفارقة الباحثين عن عمل يصلون إلى جنوب لبنان بمساعدة مهرّبين بعد دفع أموال وأجرة نقل وتهريب. وهم يتمكنون من تجاوز نقاط انتشار اليونيفيل في منطقة جنوب نهر الليطاني.

وقال حن تسور، من سكان مستوطنة حانيتا الحدودية، إن ظاهرة التسلل تُذكر بخطط حزب الله للسيطرة على مستوطنات محاذية للحدود، إذ أنهم «في الحرب المقبلة سيحتلون مستوطنات بشكل كامل ويحولونها إلى رهينة بأيديهم، ما يعني اضطرار الحكومة الإسرائيلية لأن تركع أمامهم، وإلا لن تسع مقبرة حانيتا لكل القبور التي ستُحفر فيها لاحقاً لدفن الجثث» من الإسرائيليين.

في الجيش الإسرائيلي شبه صمت، وإن جاءت التأكيدات على لسان مصادر عسكرية أنه «لا داعي لإجراء تحقيقات خاصة، وأن القوات الأمنية يقظة لمنع التسلل من لبنان». صمت الجيش الإسرائيلي الفعلي إزاء الظاهرة وتقليص الحديث عن أسباب نجاح المتسللين في الأعم الأغلب، يؤكد أن الضرر أكبر من فائدة الحديث والتحذير من أسباب الظاهرة ومقوّماتها.

واضح أن منسوب الخشية والقلق مما تكشفه ظاهرة التسلل أمام حزب الله (أو تؤكده بشكل عملي)، من شأنه تأمين كشف إضافي لنقاط الضعف في الموقف الدفاعي الإسرائيلي عموماً، ومنها ما هو غير قابل للحل، ربطاً بالطبيعة الجغرافية للحدود مع فلسطين المحتلة التي تسمح بتجاوز الإجراءات الدفاعية وتدابير منع التسلل، في مواقع غير قليلة على امتداد عشرات الكيلومترات، من البحر غرباً إلى الأرض المحتلة شرقاً في مزارع شبعا.