Site icon IMLebanon

هل ستقع الحرب؟

 

تدرك قوى السلطة أنّ الاحتقان يتنامى سريعاً ويقود إلى نقطة خطرة جداً. وإذا كان «تنفيس» الاحتقان متعذّراً، هذه المرّة، أو ممنوعاً- كما يعتقد البعض- فذلك يعني أنّ لبنان ذاهب حتماً إلى أحد خيارين: إما أن يتمكن مِحورٌ من حَسم المعركة وفرضِ خياراته، وإما أن يقع الانفجار. ولكن، في الحالين، ستتحرَّك المياه الراكدة في مستنقع الأزمة، وتنفتح الأبواب أمام «ستاتيكو» جديد.

 

منذ أشهر، ينشغل كثيرون بالسؤال: إذا لم يتراجع «حزب الله»، تحت الضغط والعقوبات، ولم يتخلَّ عن نفوذه داخل السلطة المركزية ومؤسساتها، فهل ستذهب الولايات المتحدة إلى مواجهته حتى النهاية، ولو تضرَّر اللبنانيون جميعاً؟

 

أي، هل ستقوم واشنطن بمعاقبة لبنان كلّه، مهما جاءت النتائج قاسية، من أجل دفع «الحزب» إلى التنازل؟ أم ستكتفي بالتهويل وتوقف ضغوطها عندما تشعر بأنّ الدولة ومؤسسات القطاعين العام والخاص باتت على مشارف الانهيار التامّ؟

 

أصحاب الرأي الثاني يعتقدون أنّ واشنطن وباريس وسائر القوى الغربية التي تقيم علاقات صداقة تقليدية مع لبنان، لها مصلحة في منع انهياره تحت الوطأة المالية – الاقتصادية، لأنّ ذلك قد يجعله لقمة سائغة لإيران. ودعوة «حزب الله» إلى التوجّه شرقاً، وإلى إيران خصوصاً، هي أول ملامح هذا التغيير الذي يبدأ بدعم اقتصادي وينتهي بانخراط لبنان تماماً في المحور الإيراني.

 

هذا الأمر يخشاه الفرنسيون، لأنّ لبنان يبقى لهم موطئ قدم استراتيجياً لا يُعوَّض في الشرق الأوسط. وأما الأميركيون، فيرسّخون حضورهم السياسي والعسكري بقوة منذ سنوات، ويجهّزون سفارتهم لتكون أصغر بقليل من قاعدة عسكرية على الضفة الشرقية للمتوسط، حيث تتشابك خرائط النفوذ الإقليمية والدولية.

 

فوق ذلك، ما زال أصحاب الرأي المتفائل يعتقدون أنّ من مصلحة الغرب منع انهيار لبنان في الفقر والجوع والفوضى، لأنّ ذلك سيتسبب بموجاتٍ من النازحين السوريين عبر المتوسط نحو أوروبا، يصعب ضبطها.

 

ولكن، في المقابل، ثمة مَن يعتقد أنّ المعادلة باتت مختلفة هذه المرّة. فالرهان على أنّ الولايات المتحدة وفرنسا والخليجيين العرب سيتفهمون ظروف لبنان وخصوصياته، إلى ما لا نهاية، قد سقط. وصحيح أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها ما زالوا يحرصون على وجود لبنان واستقراره كدولة، لكن طريقتهم تبدّلت.

 

الأميركيون تخلّوا عن السياسة التي كانت تتعاطى مع النفوذ الإيراني بوصفه أمراً واقعاً يجب القبول به اضطرارياً. وقرّروا إبعاد طهران عن مركز القرار اللبناني. بل إنّهم باتوا يفضّلون تبديل الطاقم السياسي الذي يوفّر الغطاء لإيران. وهذا القرار بات يلتقي عليه الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون والعرب، بعدما فشلت محاولاتهم السابقة في دفع القوى السياسية اللبنانية إلى فكّ ارتباطها بـ»حزب الله». وتجربة استقالة الحريري في تشرين الثاني 2017 كانت الأبرز.

 

وتحرص الولايات المتحدة وحلفاؤها على منع إيران من ملء الفراغ الناشئ عن الانهيارات اللبنانية بهدف بسط نفوذها. وللمرة الأولى، يبدو الأميركيون مقتنعين بأنّ رفع مستويات التشدّد في لبنان، إلى الحدود القصوى، هو السبيل الوحيد لإخراج إيران.

 

وأما «تنفيس» الضغط بخطواتٍ صغيرة، فيعتقدون أنّه سيتيح لطهران مزيداً من المماطلة والمراهنة على إمرار الفترة الفاصلة عن الخريف باستحقاقيه: تشرين الأول موعد انتهاء الحظر المفروض على تسليح إيران، وتشرين الثاني موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

 

إذاً، الأميركيون وشركاؤهم مستعجلون ويتّجهون بوضوح نحو أهدافهم. ومن هذه الزاوية، يمكن النظر إلى التحرّكات الطارئة التي يقوم بها مسؤولو واشنطن وباريس، والطواقم الديبلوماسية الأميركية والفرنسية والسعودية في لبنان.

 

هذه المرّة، لا تقوم فرنسا بتدوير الزوايا، كما فعلت دائماً، بهدف التخفيف من الضغط الأميركي أو السعودي، بل باتت شريكة في الضغط. وانتقاداتُ وزير خارجيتها جان إيف لو دريان للحكومة اللبنانية والطاقم السياسي، قبل يومين، كافية لحسم المسألة.

 

ولكن، في المقابل، ماذا ستفعل إيران في لبنان؟ هل سترضخ وتفقد سيطرتها على أحد البلدان العربية التي لطالما تباهت بامتلاك قرارها، وهل تخسر حضورها الاستراتيجي على شاطئ المتوسط وحدود إسرائيل؟

 

حتى اليوم، لا يبدي الإيرانيون أي استعداد للتنازل. والإشارات التي يمكن استشفافها من عمليات تبادل الأسرى والسجناء بين طهران وواشنطن وبيروت لا توحي حتى الآن بما هو أبعد من الاعتبارات التقنية. فإدارة الرئيس دونالد ترامب لن تفاوض إيران قبل أن تدفعها إلى أضعف نقطة.

 

وأما طهران، فتحاول إضاعة الوقت حتى مرور الخريف. ولكن، لا شيء يضمن لها، لا رحيل ترامب عن البيت الأبيض، ولا تغيير النهج الأميركي تجاهها في ظل الديموقراطيين، ولا حتى المراهنة على استقوائها بالأوروبيين لمواجهة واشنطن.

 

لذلك، عاجلاً أو آجلاً، الصدام سيقع ما دام الجميع يصرّون على عدم التنازل. وليس واضحاً مَن سيسارع إلى الصدام ويفاجئ الآخر.

 

وفي الانتظار، قد يقوم لاعب آخر بتحريك الخيوط ويصطاد في ماء المتوسط. فالإسرائيليون ربما يأخذون على عاتقهم تحديد اللحظة التي تناسبهم، ويدفعون الجميع إلى حربٍ تُخرِجهم من إرباكهم الحالي، وتضعهم أمام إرباكات أخرى غير محسوبة.

 

هناك أوراق عدّة في أيدي الإسرائيليين، وأقربها ملف الحدود البرية والبحرية والتنقيب عن الغاز في محاذاة البلوك 9، أو من جوفِه. وفي هذه الحال، سيكون الأميركيون والأمم المتحدة شاهدَين وشريكين في الرعاية وتكريس الخيارات الجديدة.