قبل ثمانية أيّام قصفت اسرائيل مواقع إيرانية في سوريا فقتل شاب لبناني يقاتل مع “حزب الله” دفاعاً عن نظام الرئيس الأسد… وأمس انتقم “الحزب” بضربة محدودة في مكان محدد: مزارع شبعا المعترف دولياً انها ارض لبنانية محتلة. مرّ اسبوع منذ الهجوم على ضاحية دمشق، وطوال الأيام المنصرمة لم تتوقف التكهنات والتحليلات عن ردٍ سيقوم به “الحزب” وردٍ تقوم به اسرائيل، واللافت ان معظم هذه التحليلات مصدرها شبه الوحيد: اسرائيل والإعلام الإسرائيلي.
إستند الإعلام الاسرائيلي الى تهديد اطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أواخر الصيف الماضي بالرد “في لبنان” على أي هجوم ضد عناصره في سوريا، ومنذ ذلك التحذير نفذ “الحزب” عملية “أفيفيم” المحدودة وسجل قدرته على خرق السياج في مبادرة أُخرى. وفيما لم يصدر عن نصرالله أي تعليق بعد هجوم ضاحية دمشق، جعلت اسرائيل من احتمال هجوم يشنه “حزب الله” زاداً يومياً للسياسيين والإعلاميين، بحيث لم يبق في الصورة سوى طرفين، تل ابيب و”حزب الله” فيما غاب الآخرون تماماً. فلا لبنان حكومة وشعباً وجيشاً معني سوى بتلقي ردود الفعل المحتملة، ولا ألوف الجنود الذين يشكلون قوات الأمم المتحدة في الجنوب في موقع التأثير والفعل عشية اتخاذ قرارٍ في مجلس الأمن بشأن التمديد وربما يعدِّل مهامهم! ذهبت اسرائيل في “فحص” ما يمكن ان يفعله “حزب الله” الى الحد الأقصى، حتى ان صحافييها وخبراء الأمن فيها رسموا سيناريوات محددة لما سيقوم به “الحزب” المذكور.
ونقل هؤلاء عن القيادة الاسرائيلية توقعها تنفيذ هجوم محدود ضد هدف اسرائيلي، ورجحت “معاريف” إطلاق “قذيفة مضادة للمدرعات أو إطلاق نيران قناصة على القوات المنتشرة عند الحدود”… رسم الإعلام الاسرائيلي صورة الرد وحدوده قبل حصوله، وترك للحكومة رسم حدود ردها الخاص. وفي اجتماعٍ الأحد الماضي حمَّل نتانياهو: “لبنان وسوريا مسؤولية أي هجوم يخرج من أراضيهما”. وقال: “لن نسمح لإيران بالتموضع عند حدودنا الشمالية”… وذهب بيني غانتس شريك نتانياهو في الحكم ووزير الأمن الاسرائيلي الى القول: اسرائيل لن تتحمل أي استهداف لسيادتها… والجيش وجهاز الأمن سيعملان ضد أي تهديد لمواطني اسرائيل، ودولتا لبنان وسوريا ستتحملان المسؤولية المباشرة عن أي عمل ينطلق من أراضيهما”.
حملت التصريحات الاسرائيلية الرسمية والإعلامية صورة مسبقة عن حدود “الرد المقبول” وحدود ردها على هذا الرد. واستغرق الأمر اسبوعاً طويلاً من التمحيص والرسائل السرية، من اسرائيل عبر الروس الى “الحزب” وإيران، اعتبرها مراسل “يديعوت” دليل ضعف اسرائيلي، ومن الاجتماعات العلنية وأهمها اجتماعات رئيس الأركان الاميركي مارك ميلي مع المسؤولين في الدولة العبرية.
وزيارة ميلي ربما كانت الرسالة العلنية الأخطر، فهذا الرجل قام بزيارته الأولى لإسرائيل عشية اغتيال قاسم سليماني، وجدول أعماله الأسبوع الفائت لم يختلف كثيراً عن جدوله نهاية العام الماضي: ايران و”حزب الله”!!
والتزم الطرفان في النهاية قواعد اللعبة. لم تنتهك “سيادة” اسرائيل كما حذر نتانياهو، لأن الهجوم حصل في أراض ٍمحتلة، ولم يضرب “الحزب” عبر الحدود الدولية فحفظ لنفسه حق القول لعموم اللبنانيين انه يتابع التزامه في تحرير المزارع وتلال كفرشوبا المحتلة.