صحيح ان الضغط الاميركي الكبير على الدول العربية من أجل إبرام معاهدة سلام مع «إسرائيل»، بلغ الذروة من خلال توجهات أميركية واضحة المعالم، لكن الصحيح أيضاً، هو أنه لولا التصرفات الإيرانية العدوانية والموجهة الى الدول العربية منذ اليوم الأول لمجيء آية الله الخميني من منفاه في فرنسا، حين رفع شعار «تشييع أهل السنّة»، ومنذ بداية الحرب الإيرانية – العراقية عام 1980، أي بعد عامين من عودة الخميني الى إيران. إذ لولا هذا الشعار، ولولا التصرّفات والتهديدات الإيرنية، ولولا اضطهاد «السنّة» داخل إيران نفسها، إذ تكبت حريتهم، وتقيّد تحركاتهم ولا يسمح لهم حتى ببناء مسجد واحد، في حين أنّ هناك أكثر من كنيسٍ يهودي، في قلب العاصمة طهران وفي غيرها من المدن الايرانية.
إنّ التصرّفات العدوانية من «ولاية الفقيه» الموجهة لأهل السنّة، وحرب إيران ضد العراق التي دامت أكثر من ثماني سنوات، خذلت الشعب العربي، وبات متخوّفاً من «المشروع الفارسي»، لا سيما وأنّ التصريحات المتكررة من رأس القيادة الايرانية، المرشد آية الله علي خامنئي، ومن كبار المسؤولين والقادة الايرانيين، تركّز على تكرار مقولة ان إيران تسيطر حالياً على أربع عواصم عربية: بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، إشارة الى ان هذه التصريحات تتجاهل القضية الفلسطينية.
ونتساءل من عطّل مشروع الدولة الفلسطينية؟
ألم يُنْسَف المشروع بتحريض فارسي واضح، لحركة «حماس»، من خلال تزويدهم بالمال والسلاح، وبالأفكار المناوئة للمشروع؟
أليْس هذا التحريض، هو الذي شجع «حماس» على الخروج عن إرادة منظمة التحرير الفلسطينية؟
من أجل ذلك، اتخذت إسرائيل حركة «حماس»، ذريعة للإعتداء على غزة وشعبها الصامد، ونجح الفرس بذلك الى تقسيم فلسطين قسمين: غزة والضفة… وأجّج الفرس النار بين المنطقتين، فتعطل كل شيء، وبات تقسيم فلسطين واقعاً قبل أن تولد الدولة الفلسطينية الـمُطالَب بإنشائها.
إنّ منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كما أرادت القمم العربية، وخروج «حماس» منها تقويض لسلطتها وطعن في شرعيتها.
إنّ إسرائيل تبحث دائماً عن وسيلة لفرض اتفاقية سلام بين العرب والاسرائيليين، على مزاجها هي، لتظهر أمام الرأي العام العالمي أنها دولة محبة للسلام، لا تريد الحروب، بل انّ العرب إرهابيون لا يريدون السلام ولا يعملون من أجل تحقيقه. حتى ذهبت إسرائيل الى حد القول إنّ العرب يريدون تدمير «إسرائيل» ورمي سكانها اليهود في البحر. كما ان العمليات التي قامت بها إيران في لبنان عام 1982، من تفجير لمقر المارينز في بيروت، الى تفجير وتدمير السفارة الاميركية في عين المريسة، وقتل عدد كبير من الديبلوماسيين، الى عمليات خطف أساتذة الجامعة الأميركية مثل تيري ريد لارسن وغيره، كل ذلك لإظهار إرهابية العرب، بينما العرب في الحقيقة براء من هذه الأعمال، لأنّ من قام بها أو وقفوا وراءها هم الفرس الذين يريدون تنفيذ مشروعهم بإقامة الامبراطورية الفارسية، وتحديداً مشروع ولاية الفقيه.
من هنا، فإننا نؤكد على أنّ ما قدّمه الفرس لإسرائيل من خدمات، لا يقدّر بثمن، انهم حُماة «المشروع الصهيوني» من دون منازع.
والأنكى من ذلك كله، ان الفرس أقفلوا السفارة الاسرائيلية في طهران، وافتتحوا سفارة فلسطين فيها، في عملية تمثيل، لم تعد تنطلي على أحد… وللبرهنة على ما نقول نتساءل:
«هل قام الفرس بأي عمل مباشر ضد أميركا وضد ربيبتها إسرائيل؟» بالتأكيد الجواب بالنفي القاطع… لأنّ إيران اكتفت بسياسة «الكلام الفاضي» الذي لا يؤدي إلاّ الى نهايات مأساوية للشعوب العربية.