في موازاة انشغال إسرائيل بمواجهة فيروس كورونا الذي بدأت تبعاته السلبية بالتفاقم على أكثر من صعيد، لا تغادر التهديدات الأمنية التقليدية طاولة التقدير والقرار في تل أبيب، وفي مقدمتها ما تسميه «مشروع دقة الصواريخ»، ضمن ملف تعاظم التسليح النوعي، في مسار تسلح حزب الله في لبنان.
والمتغير الجديد الذي يهدد بضرب لبنان وحزب الله وبيئته المباشرة، وتبعاً لذلك الأمل بإشغال عدوّ اسرائيل في لبنان عنها، يعدّ من ناحية تل أبيب فرصة إن أحسنت استغلالها وتطويع إمكاناتها، فيمكنها الرهان عليها في تقليص التهديد اللبناني والحد من تطوره، الأمر الذي يدفع منابع التقدير واستشراف الفرص من ناحية أمنية، وفي مقدمتها «مراكز التفكير»، إلى بلورة جملة من التوصيات التي توفر فائدة استراتيجية في مواجهة حزب الله، ربطاً بفيروس كورونا وغيره من الأزمات في لبنان.
معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب حدَّد عبر نشرته الدورية «مباط عَل»، وسائل استغلال الفيروس المتاحة لإسرائيل والنتيجة المأمولة تبعاً لاستخدامها في المواجهة، سواء ما يتعلق بنفوذ حزب الله وحضوره في الحياة السياسية اللبنانية، أم تجاه تطوير سلاحه وتعاظمه النوعي، وكذلك الضغط على حلفائه للضغط بدورهم على قراره، كي يقلص تهديده لإسرائيل.
في توصيف الفرصة، يشير المعهد إلى أن الضائقة المالية في لبنان وفشل الحكومة اقتصادياً، أديا إلى إثارة الاحتجاجات الشعبية في الماضي غير البعيد، إلا أن فيروس كورونا والخشية منه، أديا إلى تقليص الاحتجاجات وإخلاء الشارع من المتظاهرين، كما أسرعت القوى الأمنية إلى تفكيك خيم الاحتجاج من وسط بيروت. الا أن التقديرات ترجح أنه بمجرد الانتهاء من أزمة كورونا ستتمظهر أكثر الأزمة الاقتصادية وتزداد الظروف المعيشية سوءاً ويتوقع أن تعود الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع.
وهذه الأزمة، يضيف المعهد، تشدّد الأزمة الحادة على لبنان وتزيد من شدة القيود على حزب الله، إذ إن وزير الصحة في الحكومة الحالية، سمّاه حزب الله نيابة عنه وممثلاً له في التشكيلة الحكومية. كذلك، وجهت انتقادات لإيران أنها نقلت الفيروس إلى لبنان، وكذلك يجري التداول بشائعات تقول إن حزب الله يخفي عدد المرضى في المناطق التي يسيطر عليها، وأن الفيروس منتشر بشكل كبير جداً بين عناصره ومسؤوليه، وهو ما دفع (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله إلى الظهور العلني، مرات عديدة منذ 13 آذار الماضي، ليؤكد خطورة الوضع، وأنه أسوأ من الحرب.
في الوقت نفسه، عرض حزب الله خطة طارئة أعدّت لمساعدة الحكومة وليس للعمل مكانها، وتتضمن حشد 24500 ناشط لمواجهة الفيروس، بما يشمل 1500 طبيب و3000 ممرض، وكذلك تشغيل مستشفى وتأجير فنادق لمعالجة المرضى. وتتضمن الخطة إنشاء مراكز طبية في جميع أنحاء لبنان. لكن بحسب التقديرات (الإسرائيلية)، يساور حزب الله القلق بشأن تأمين مصالحه الخاصة ومصالح «المحور» بقيادة إيران، ويدعو إلى إزالة العقوبات الدولية عنها ووقف الأعمال القتالية ضد «الحوثيين» في اليمن.
وينتقل المعهد من التوصيف إلى الخطوات العملية التي «ينصح» الحكومة الإسرائيلية باتّباعها، «إذ إن تفاقم الأزمة الصحية في لبنان بسبب تفشي الوباء، يفتح الفرص أمام إسرائيل في المجالين السياسي والعسكري (وفقاً للآتي):
– يمكن إسرائيل أن تعمل من وراء الكواليس، على توفير المساعدة الغربية للبنان، لكن في مقابل أن يطالب شركاء حزب الله في الحكومة، أن يقلّص نفوذه في الحكومة وفي مؤسسات الدولة اللبنانية.
– من المهم أن تدعم إسرائيل استمرار تعزيز الجيش اللبناني، ضمن ضابطة وصف هذا الجيش بأنه قوة وطنية لمواجهة حزب الله.
تؤكّد تل أبيب أنها لن تدع أي فرصة، وإنْ كانت وباءً، من دون استغلالها لمواجهة حزب الله
– العمل على تحفيز شركاء حزب الله في الحكومة اللبنانية على الحدّ من تزوّده بالسلاح الدقيق وعمليات تطوير الأسلحة الموجودة لديه.
– على إسرائيل أن تدرك أنه في موازاة صحة مقاربة الجيش الإسرائيلي ضد الجهود المبذولة لنقل الاسلحة من سوريا إلى لبنان وضرورة استمرارها، الا أن الظروف الحالية تزيد من إمكانية نشوب مواجهة عسكرية بين حزب الله وإسرائيل».
في الخلاصة، اللجوء إلى المتغيرات والبحث عن فرصها، هما من الاستراتيجيات التي تتبعها وتبحث عنها الدول «الموزونة» والجادة في مواجهة التهديدات، وتل أبيب في ذلك تؤكد أنها لن تدع أي فرصة، وإن كانت أزمة صحية وتفشّياً لوباء، تنزلق من أمامها من دون استغلالها لمواجهة حزب الله. في المقابل، واضح أن توصيف الأزمة كما وردت في النشرة البحثية، وبنتيجتها الفرصة التي شخصت وكذلك التوصيات، دليل جديد على صعوبة المواجهة المباشرة العسكرية التي ترى تل أبيب أنها متاحة فعلياً من دون تلقّي أثمان ثقيلة لإنهاء تهديد حزب الله والحد من تعاظم تسلّحه النوعي.