Site icon IMLebanon

مَن فوَّض إلى القيسي التنازل عن مياه لبنانية؟

 

 

يعود الوفد اللبناني الى الناقورة، الإثنين المقبل، لعقد اولى جلسات عمل المفاوضات غير المباشرة اللبنانية – الاسرائيلية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، باستضافة اممية ورعاية اميركية، بعد جلسة بروتوكولية الاربعاء الفائت. من الإثنين، شأن آخر في التفاوض

 

اربعة خطوط بحرية مختلف عليها، ستكون على طاولة التفاوض الشاق، غير المباشر، اللبناني – الاسرائيلي بدءاً من الإثنين. شأن كل تفاوض مماثل، قبل الوصول الى المأزق الذي يتوقف عنده المتفاوضان من جرّاء اصرار كل منهما على احد الخطوط الاربعة تلك، المتباعدة اكثر منها المتجاورة، حدوداً لمياهه وحقول نفطه وغازه، يتدخّل الراعي والمضيف لحملهما على انقاذ المفاوضات، والاتفاق على تسوية يمثلها احد الخطوط تلك الذي يقع في الغالب في الوسط.

 

الطريقة السهلة التي قادت الى جلسة التعارف الاربعاء المنصرم، وإن بعد سنوات من المحادثات والاتصالات الصعبة غير المباشرة بدورها، تشي بأن طريق الاتفاق لن تكون مستعصية، تحت وطأة الضغوط الاميركية واستعجال لبنان و«إسرائيل» – كل لأسباب مختلفة عن الآخر – استخراج النفط والغاز في ظل حدود بحرية آمنة.

 

 

في العقود الاربعة المنصرمة، اعطى الاميركيون مباشرة او على نحو غير مباشر اكثر من مثال على ان حضورهم الى الطاولة، من شأنه ان يفضي الى اتفاق اللحظة الاخيرة. اول الادلة كان اتفاق 17 ايار 1983 قبل ان يسقطه الاسرائيليون بشروطهم المستجدة الثلاثة على الرئيس امين الجميل، ثم تفاهم نيسان 1996 وكانوا مع الفرنسيين رعاته فثبّتوه الى الآن، ثم ترسيم الخط الازرق عام 2000 وإن كان المفاوض المباشر الوحيد مع لبنان موفد الامين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن، بيد ان الاميركيين تتبعوا خطوات ترسيم هذا الخط بأدق التفاصيل، انتهاءً الآن بترسيم الحدود البحرية.

بذلك توحي واشنطن، وهي تتبنّى المطالب الاسرائيلية، بأنها الضمان الفعلي لمفاوضات الترسيم والكفيل بالاتفاق. وقد يكون خط موفدها فريديريك هوف هو خط التسوية الاخيرة في نهاية المطاف، اذ يقع في منتصف الطريق ما بين النقطة 1 الاسرائيلية والنقطة 23 اللبنانية، مع ان لبنان يضع على طاولة المفاوضات خريطة خط بحري رابع متقدم.

الواضح من المتتبعين ملف الترسيم، ان المشكلة الاولى – وستكون الدائمة – في الجولات الاولى من التفاوض الجدي، تنطلق من النقطة 1 التي كان لبنان اول من اقترحها في مفاوضاته مع قبرص، ثم اخذت بها «إسرائيل» على انها خط ترسيمها البحري بعدما تخلى لبنان عن هذا الخط، وذهب الى النقطة 23. بذلك يريد المفاوض اللبناني التصرّف في الجولة الاولى على ان النقطة 1 اضحت وراءه، وإن كان هو السبّاق الى طرحها من خلال ثغرة سياسية قانونية ابان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ما بين عامي 2005 و2008. لا يزال الغموض يكتنف دوافع الذهاب الى هذه النقطة، مع كل ما ترتب عليها من تداعيات خطيرة لاحقاً، اضعفت الموقف اللبناني مجاناً، وقد لا تكون وهبت رئيس الحكومة تلك اي مكافأة.

في 17 كانون الثاني 2007، من دون اي قرار من مجلس الوزراء، في مرحلة الطعن في شرعية حكومة السنيورة، بعد استقالة الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف منها وانقطاع الرئيس اميل لحود عن ترؤس جلساتها لذاك السبب، ما اتاح لها التفرّد في اتخاذ قراراتها، اوفد رئيسها المدير العام للاقتصاد عبد الحفيظ القيسي (المدير العام للنقل البحري الموقوف منذ 31 آب في انفجار مرفأ بيروت) الى قبرص للتفاوض مع سلطاتها على الحدود البحرية اللبنانية – القبرصية، من غير ان يكون وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، او الجيش، معنياً او على علم بما حصل. وكلاهما فريقان مختصان بهذا الدور على الاقل. انتهى ذلك الاتفاق الى النقطة 1 على انها خط الترسيم اللبناني – القبرصي، الفاصل في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما. لأن لبنان في عداء مع «إسرائيل»، ولا يسعه التفاوض معها، فوّض ذلك الوفد من دون اي صفة رسمية او تكليف قانوني أُعطِي اياه من مؤسسة دستورية، الى قبرص التفاوض نيابة عن لبنان في ترسيمها الحدود البحرية مع الدولة العبرية، لكن انطلاقاً من النقطة 1 التي عدّها لبنان موقتة، فيما اعتبرتها «إسرائيل» نهائية وكرّستها خطاً حدودياً بحرياً لها مع لبنان وقبرص.

 

على مستوى موظف فحسب غير ذي صفة او مفوَّض اليه، وقّع القيسي اتفاقاً اضحى ملزماً للدولة اللبنانية من غير ان يُعرض في ما بعد على رئيس الجمهورية، ولا على مجلس الوزراء للموافقة عليه، ولا على مجلس النواب للمصادقة على إجازة إبرامه ولم يصر الى ابرامه، وخصوصاً ان النقطة 1 افقدت لبنان 860 كيلومتراً مربعاً من منطقته البحرية الاقتصادية. سرعان ما عمدت «إسرائيل» الى تسجيل اتفاقها مع قبرص، بعد اربع سنوات، لدى الامم المتحدة على انه حدود مياهها الاقليمية.

الادهى في ما يتحدّث عنه متتبعو هذا الملف، ان ذلك الاتفاق تضمّن تنازلاً عن صلاحية التفاوض باسم لبنان الى دولة اجنبية اخرى في حدوده المائية، اخذت في ما بعد في الاعتبار مصالحها هي مع الدولة العبرية التي تمسكت بتلك النقطة، ورفضت التخلي عنها، وهي على طاولة جولة الاثنين. ما انطوى عليه ذلك يمثّل تنازلاً عن اجزاء من السيادة الوطنية ما دامت المياه الاقليمية المرسَّمة دولياً تشكل امتداداً طبيعياً للحدود البرّية المرسَّمة ايضاً، ويسري عليها تحظير المادة الثانية من الدستور التي تمنع «التخلي عن احد اقسام الاراضي اللبنانية او التنازل عنه».

ليس لأي سلطة دستورية لبنانية، بدءاً من رئيس الجمهورية، حق التصرّف بأراضي الجمهورية اللبنانية برّاً وبحراً او التنازل عنها، ما لم يأذن الدستور بذلك، ما يقتضي حكماً تعديله انطلاقاً من ان حدود لبنان ووحدة اراضيه غير قابلة لمرور الزمن ولا للتنازل عنها ولا للانتقال ولا للمساس بها.