أثارث الجولة الثالثة من المفاوضات بين لبنان والكيان الإسرائيلي قلقاً لدى شركات التنقيب عن النفط والغاز العاملة في «إسرائيل»، التي استحصلت على امتياز التنقيب بالقرب من المنطقة البحرية التي يدّعي العدو حقاً له فيها. القلق دفع بـ«إسرائيل» إلى «التوضيح» أن المفاوضات لن تشمل «مطلقاً» حقولاً غازية هي في مرحلة التطوير، تبيّن أن لبنان يطالب بها في أعقاب إزاحته حدّه البحري، إلى ما يتجاوزها.
بعد مرور عدة أيام على انتهاء جولة التفاوض الثالثة بين الجانبَين يوم الخميس الماضي، وهي الجولة التي أثارت مع الجولة الثانية التي سبقتها استياءً إسرائيلياً، أصدرت وزارة الطاقة في القدس المحتلة، بياناً «توضيحياً» خصص لشركة «إنرجيان» اليونانية التي تمتلك رخصة التنقيب عن تسعة حقول غازية إسرائيلية، من بينها حقلا «كَريش» و«تنين»، اللذان يقعان ضمن المنطقة التي عرضها الوفد اللبناني في خريطة إيضاحية، أكد فيها أن الحد البحري اللبناني يتجاوز ما تعلن عنه «إسرائيل»، وهو ينزاح جنوباً أكثر، بما يشمل الحقلين المذكورين، وغيرهما أيضاً.
ووفقاً لـ«توضيح» وزارة الطاقة في «إسرائيل»، فإن «جميع حقول الغاز التي هي قيد التطوير قبالة سواحل إسرائيل، ليست محلاً للخلاف مع لبنان، وهي لن تكون بشكل مطلق على طاولة المفاوضات».
والبيان التوضيحي الذي أرسلت نسخة منه إلى شركة «إنرجيان»، اليونانية وكذلك الى الإعلام العبري، جاء ليطمئن الشركة والشركتين الأخريين، الإسرائيلية «ديليك» والأميركية «نوبل انرجي»، من أن الحقول التي يملكون حقوق تنقيب واستخراج منها، هي خارج أي خطورة أو مساومة مرتبطة بالتفاوض مع الجانب اللبناني. وفي اتجاه آخر الإعلان عن «التوضيح» هو تحذير للبنان من أن الخريطة التي عرضها وفده المفاوض، والتي سماها الإعلام العبري بـ«الخريطة الاستفزازية»، لن تكون مطلقاً مادة تفاوض.
وفقاً لصحيفة غلوبس الاقتصادية العبرية، أرسل رئيس الوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع الجانب اللبناني، أودي أديري، الرسالة التوضيحية للرئيس التنفيذي لشركة «إنرجيان» في كيان العدو، شاؤول تسيمح، بعدما وجّه الأخير سؤالاً للوزارة عن «حقيقة التقارير التي تتحدث عن الموضوع». وفقاً لأديري، «إسرائيل تدير مفاوضات مع لبنان بناءً على توجيهات وزير الطاقة يوفال شتاينتس ومن خلفه المستوى السياسي في إسرائيل، وهي لن تجري في أي حال من الأحوال أي مفاوضات مع لبنان بشأن مناطق واقعة خارج منطقة النزاع، التي تتحدد وفقاً لخطوط الحدود التي أودعها الجانبان لدى الأمم المتحدة».
يجب الاستعداد لمواجهة تعنّت العدوّ وشروطه المستجدّة بشأن منع لبنان من طرح ما هو حقّ له
حقل «كَريش» الذي يقع بالكامل ضمن الحد الجنوبي للمياه الاقتصادية اللبنانية، وكذلك حقل «تنين» الواقع شمالي حقل «لفيتان»، أكبر الحقول الإسرائيلية، يقعان في منتصف الحد اللبناني، فيما تجاورها حقول أخرى كان الإعلام العبري قد كشف في السابق أن واحدة من الشركات الأميركية العملاقة، وهي شركة «شيفرون» التي تعدّ من أقوى وأكبر ست شركات في العالم في مجال النفط والغاز، قدمت عرضاً لتل أبيب للحصول على حقوق التنقيب عن الغاز فيها.
المعنى هو أن الحد البحري الذي طالب به لبنان في جولتَي التفاوض الثانية والثالثة، يثير قلق الشركة اليونانية وكذلك الشركة الأميركية التي تسعى إلى الاستحصال على رخص التنقيب في المنطقة، فضلاً عن شركة نوبل إنرجي الأميركية التي استحصلت على رخصة التنقيب عام 2019، في البلوك 72 المحاذي للحقلين المذكورين، وهو ما يفرض على الوفد اللبناني أن يكون مستعداً لمواجهة تعنّت «إسرائيل»، الذي أشار بيانها التوضيحي أمس الى أنه سيكون تعنّتاً بمستوى مرتفع، وكذلك حرص الوسيط الأميركي المعني كذلك بتأمين مصالح الشركات الأميركية.
الكرة باتت في ملعب الوفد اللبناني المفاوض ومن ورائه الإدارة اللبنانية للمفاوضات، التي بات عليها الاستعداد لمواجهة تعنّت العدوّ وشروطه المستجدّة بشأن منع لبنان من طرح ما هو حق له. وهذا التعنت واضح جداً، بحسب ما يرد في «المفاوضات الموازية» التي تديرها عبر إعلامها و«بياناتها التوضيحية»، ما يشير إلى صحة «نبوءة» المصدر الإسرائيلي، الذي تحدث عن أن احتمال نجاح المفاوضات مع لبنان بات أقل من خمسين في المئة.