على الرغم من كونها عملية موجعة لإيران، إلا أنّ اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخر زاده لم يأت مفاجئاً. كل المؤشرات كانت توحي بوجود اتجاه اميركي اسرائيلي لتوجيه ضربة عسكرية ما في الفترة الانتقالية ما بين ادارة اميركية جديدة واخرى تتحضر للمغادرة على مضض لخسارتها نتائج الانتخابات الاخيرة. لكن لم يكن معروفاً توقيت مثل هذه العملية ومكانها وان المعلومات المتداولة كانت تقول ان مستشارين من محيط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانوا يحذرونه من مغبة الدخول في حرب مع ايران الى ان أعطى موافقته على عملية في الداخل الايراني.
كان من بين تلك المؤشرات إقالة وزير الدفاع مارك إسبر وثلاثة من المسؤولين في الخارجية الاميركية، ونقل حاملة الطائرات “يو إس إس نيميتز” إلى منطقة الخليج العربي مروراً بمضيق هرمز الى بحر عمان بناء على اوامر ترامب. عدا عن خطوات اخرى في محاولة لردع ايران عن اي محاولة رد محتملة على اي اعتداء تتعرض له. وخلال اطلالته الاخيرة قبل نحو اسبوعين كان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله دعا الى الحذر الشديد في فترة اعتبرها في غاية الخطورة.
على أن توقيت الرد سيكون اكثر دقة ودراسة وعناية لان المرحلة الحالية التي تلت فوز جو بايدن بالانتخابات خلفاً لترامب دقيقة، وذلك رغم فداحة الخسارة للملف النووي الايراني وفي ظل المتغيرات التي حصلت وابرزها ان مستشار الامن القومي الاميركي للرئيس المنتخب جو بايدن هو نفسه من قاد الفريق الاميركي في المفاوضات التمهيدية والاساسية التي ادت الى توقيعه من قبل وزير الخارجية الاميركي حينها جون كيري الذي عين ممثلاً ومبعوثاً خاصاً لبايدن في مباحثات اميركا حول المناخ.
الاغتيال يخدم هذا السياق ولا يهدف فقط للقضاء على “والد الملف النووي الايراني” الذي اصبح لديه عشرات العلماء والخبراء، ولا شك ان العملية مرتبطة بمعلومة عن تقدم ايراني كبير على مستوى الملف النووي. يحاول الاسرائيلي ان يورط الادارة الاميركية الجديدة ويعيق عودتها للتفاوض مع ايران، وبضربته تلك قدم خدمات ليس لاسرائيل فحسب بل لكل الدول المتوجسة من ايران النووية من باكستان الى تركيا ودول عربية.
في تحليله يعتبر “حزب الله” ان ترامب يحاول ان يقدم خدمات لكل من وقف معه طوال سنوات حكمه الأربع، ويسلف اوراقاً رابحة استعداداً لخوضه الانتخابات بعد نهاية ولاية بايدن. ومن بين الخدمات أيضاً لقاءات لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مسؤولين عرب. ضرب العالم الايراني أشبه بتعويض عن حرب كان يعتزم ترامب خوضها مؤخراً لولا اصطدامه بمعارضة قوية. هذه الحرب باتت مستبعدة اليوم لكن من دون ان يلغي “حزب الله” من حساباته توقع استمرار مثل هذا النوع من العمليات الامنية الى حين نهاية ولاية ترامب. كان هذا الهدف وارداً منذ العام 2018 بدليل الصورة التي عرضها نتنياهو للعالم الإيراني محذراً من تقدم برنامج إيران النووي، وهو ما تضعه ايران في اطار الدليل على ضلوع إسرائيل في عملية الاغتيال.
وتطرح عملية الاغتيال علامات استفهام وتثير مخاوف من مغبة ان تقوم اسرائيل مستفيدة من الفترة المتبقية من عهد ترامب بتنفيذ خطتها ضد لبنان و”حزب الله”، خصوصاً وان الاعلان عن العملية استتبع بخبر يتعلق بكشف عملية تخطيط لاغتيال نصرالله وهو ما نفاه “حزب الله” جملة وتفصيلاً. واذ استبعد الحزب قيام اسرائيل بعمليات عسكرية واسعة ضد لبنان لم يخرج من حساباته احتمالات تنفيذ اسرائيل عملية امنية صامتة من دون بصمات باستهداف اماكن محددة شبيهة بالعملية التي نفذتها مؤخراً في منطقة معوض في الضاحية الجنوبية، مستهدفة مبنى العلاقات الاعلامية لـ”حزب الله”، على إعتبار انه سيكون الضوء الاخضر الاميركي ممنوحاً لاسرائيل في غضون الشهرين المقبلين.
على كامل جهوزيته يبقى “حزب الله” متحضراً لكل الاحتمالات من قبل اسرائيل، وفي باله تحذير امينه العام من نية إسرائيل تنفيذ ضربات سريعة وأغلبها من خارج الحدود وسط مؤشرات تؤكد بالفعل امكانية قيام اسرائيل بضرب اهداف محددة وليس القيام بعملية عسكرية كبيرة، مؤكداً استعداده “لرد الصاع صاعين في حال حصول أي حماقة أميركية أو إسرائيلية”.