IMLebanon

الشريك المضارب

 

لا تقتصر مفاعيل تعطيل التحقيق في جريمة تفجير المرفأ على حماية المرتكب الفعلي، الذي اشترى أطنان نيترات الأمونيوم وحماها ليستخدمها كما يشاء، وتحت الأنظار العاجزة للأجهزة الأمنية والمسؤولين، من رأس الهرم السياسي والإداري، وصولاً الى عامل التلحيم المغلوب على أمره.

 

القضية جزءٌ من كلٍّ مبرمج وممنهج، يساهم بإخلاء الساحة من أيّ شريك مضارب لإسرائيل في زمن التطبيع.

 

ولعلّ النائب السابق أنطوان زهرا دعس في قلب التدجيل الدائر محلياً وإقليمياً وحتّى دولياً، عندما اعتبر أنّ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان إغتيالاً لمشروعه الرامي الى تحضير لبنان لمرحلة السلام الذي انطلقت خطواته التطبيعية في المنطقة، مضيفاً بأنّ إسرائيل ليست عدوّاً معتدياً على أرضنا فقط في الحرب، ولكنّها “شريكٌ مضاربٌ” للبنان ودوره، عندما تبدأ مرحلة السلام والانفتاح.

 

هذه القراءة توضح سبب اغتيال الرجل ومن ثمّ اغتيال الجامعة والمصرف والمستشفى في لبنان. وبالتزامن، اغتيال الوجود اللبناني في دول الإنتشار، العربية تحديداً. فقد كان يجب كسب عداوة العرب والمجتمع الدولي لقطع دابر هذا الوجود الإقتصادي في دول الخليج.

 

وضمن هذه الرؤية، تندرج المؤشّرات التي تدلّ على أنّ التحقيق في الجريمة سيضيع، وتضيع معه حقيقة ما حصل، كما غيره من الجرائم التي ترتكب بحقّ لبنان.

 

ومحاولات التخويف والترهيب تتطوّر مع عرقلة عمل المحقّق العدلي فادي صوّان، مروراً بالسعي الى كشف سرّية هذا التحقيق والعبث بمعطياته، من خلال تضليل إعلامي مرافق، وصولاً الى الإحراج فالإخراج اذا تعذّر التطويع.

 

وتتزامن هذه المحاولات مع إخراس كلّ من تحدّثه نفسه إنتقاد ما هو قائم ومعروف، ليس فقط في المرفأ، وإنّما في المطار وعند المعابر، بحجّة تهديد السلم الأهلي وإثارة الفتن. وتترافق مع إستسلام متواطئ لجميع المتصارعين على السلطة من أركان منظومة الحكم المتجاهلين هذا الواقع، لتقتصر نخوتهم وثورة كرامتهم على الإستثارة المكشوفة للحزازات الطائفية ورفع متاريس “يا غيرة الدين”، إذا وصلت نار التحقيق إلى ذقن أحدهم.

 

حينها، يوضع الصراع جانباً، وتتوحّد المواقف حيال “استنسابية القضاء” و”مخالفة الدستور”، ويتمّ تطويق القاضي لشلِّه حتّى يسكت عن الكلام الممنوع.

 

فالمسموح في لبنان هو تبادل اتهامات في الهواء لتحصيل المكاسب وتسجيل النقاط. أما كشف حقيقة ما عن أيٍّ من الجرائم المرتكبة، فهو جريمة الجرائم ويستحقّ صاحبها الإغتيال المعنوي، اذا لم يكن أوان الإغتيال الجسدي قد حان.

 

والمسألة مرتبطة بأساس ما كان يُرسم للبنان على المدى المنظور ومن ثمّ البعيد.

 

وليس سرّاً أنّ عزلة لبنان وإنهياره لا يفيدان إلّا إسرائيل “الشريك المضارب” الذي أعدّ عدّته ليستفرد بما كان “خصوصية لبنانية” في بلاد الإنتشار، قادرة على التخفيف من وقع الفساد وتداعياته ودعم الاقتصاد اللبناني.

 

بالتالي لن يكون سرّاً أنّ تقاطع المصالح لإخلاء الساحة يساعد إسرائيل لتتخلّص من شريك مضارب في المنطقة.

 

والآتي أعظم كما يشير مآل الأمور في تحقيق جريمة المرفأ. فالمطلوب مواصلة التدمير الممنهج والمبرمج للإطاحة بما تبقّى من قطاعات وكفاءات مع إفلاس لبنان واستنزاف قدرته، بحيث لا تقوم قيامة لهذا البلد، على أن تستفيد إسرائيل من خلوّ الساحة لها في زمن التطبيع.

 

و”نِيّال من فاد وإستفاد”!!