Site icon IMLebanon

«إسرائيل» تعترف بعد طول إنكار: حزب الله يملك مئات الصواريخ الدقيقة

 

 

بعد مدة طويلة من الانكار، أقرّت استخبارات العدو الاسرائيلي بأن حزب الله تمكّن من امتلاك عشرات الصواريخ الدقيقة، التي تصنّفها «اسرائيل» خطراً استراتيجياً لا يمكن التعايش معه. في السابق، كان العدو يتحدّث في احسن الاحوال عن عشرات الصواريخ، التي يمكنها اصابة المواقع الاستراتيجية والحساسة في الكيان. اليوم، اعترف بأن ترسانة المقاومة من السلاح الدقيق الاصابة، باتت تحوي مئات الصواريخ، رغم مئات الغارات التي شنها جيش الاحتلال في سوريا، لمنع نقل هذه الصواريخ او مكوناتها الى لبنان. اعتراف سيكون له اثر عميق على صانع القرار في تل ابيب، وخاصة لجهة الانكفاء عن العمل العسكري ضد لبنان.

 

 

أشارت التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية إلى نجاح حزب الله في التزوّد بمئات من الصواريخ الدقيقة، التي عدّت حتى الأمس القريب خطاً أحمر لا يمكن لتل أبيب أن تسمح بتجاوزه. هذا الإقرار جاء بعد إنكار طويل، سعت تل أبيب خلاله عبر وسائل مختلفة وفي أكثر من اتجاه، للحؤول دون تحقّقه، لكن من دون جدوى.

هل يعني ذلك اقتراب موعد تنفيذ العدوّ تهديداته والتسبّب بمواجهة عبر استهداف عسكري مباشر لما يعرفه عن هذا السلاح، وخاصة أن المواجهة العسكرية الواسعة كانت محلاً لمناورة ضخمة نفّذها جيش الاحتلال في الفترة الأخيرة؟ أم أن السلاح الدقيق نفسه (وأخواته) الذي سعت «إسرائيل» إلى منع المقاومة من اقتنائه، هو نفسه عاملٌ مؤثر في تعزيز واقع انكفاء العدو عسكرياً عن لبنان، بعدما تحول «مشروع الدقة» المتعلق بصواريخ حزب الله إلى «ترسانة دقة»؟

وفقاً للتقديرات الإسرائيلية المنشورة في الأيام القليلة الماضية، والنشر في ذاته لافت (القناة 13 العبرية)، فشلت مساعي «إسرائيل» في منع حزب الله من التزود بالسلاح الصاروخي الدقيق. وهو فشل جاء بعد الضربات التي شنتها في سوريا والتي استهدفت إرساليات صاروخية دقيقة ووسائل نقل تتعلق بمكونات ما تسميه «مشروع الدقة»، وهي ضربات وفقاً للتقدير الإسرائيلي «لم تمنع حزب الله من تطوير قدرة ذاتية على تصنيع وتركيب صواريخ دقيقة متوسطة وبعيدة المدى».

الإقرار في ذاته، بعد إنكار، لا يغيّر واقع امتلاك حزب الله هذا النوع من الصواريخ، التي تؤكد التقديرات في تل أبيب أنها قادرة على «شل منظومات استراتيجية في إسرائيل». إذ سبق لحزب الله، على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله، أن أكد في أكثر من مناسبة، في الأشهر الأخيرة، النجاح في امتلاك ما يكفي من صواريخ دقيقة. وفي حينه حاولت «إسرائيل» الإبقاء على إيحائها بأن «دقة الصواريخ» مجرد فكرة وطموح لدى حزب الله لم تترجم ميدانياً نتيجة الجهود الإسرائيلية لصدّه، وهذا هو الهدف من إصرارها على مصطلح «مشروع الدقة». فما الذي تغيّر الآن؟

 

هذا التطور من شأنه تخفيف مستوى دافعية «اسرائيل» للاعتداء على لبنان، وإنْ كان لا يلغيه

 

 

الإقرار بعد إنكار، من شأنه أن يشير إلى اتجاه ومستويات المواجهة بين الجانبين للفترة المقبلة، وتحديداً من ناحية «إسرائيل»، التي باتت في موقع المتخلّف عن وعود أطلقها صنّاع القرار في تل أبيب، وفي المقدمة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بأن «إسرائيل لن تسمح» لحزب الله بالتزوّد بالسلاح الدقيق، وأن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة».

وهذا التغيير، أي امتلاك حزب الله صواريخ دقيقة بالمئات وهو مقبل على مراكمة المزيد منها، يعدّ سبباً في دفع «إسرائيل» إلى «اتخاذ قراراتها»: إما السعي إلى الصدّ والمنع، ولاحقاً محاولة تدمير الصواريخ مادياً، رغم ما يمكن أن يعقب ذلك من مواجهات يقدَّر بقوة أن تتحوّل إلى مواجهة شاملة؛ وإما الانكفاء، لأن استهداف بعض الصواريخ الدقيقة لا يلغي وجود بعضها الآخر الذي يتعذّر تحييده، ويمكن لحزب الله استخدامه في المقابل رداً على الاعتداء نفسه، وهو قيمة إضافية عسكرية مؤثّرة تضاف إلى القدرة العسكرية «التقليدية» التي كانت كافية في ذاتها لمنع «إسرائيل» من تفعيل خياراتها العسكرية ضد لبنان.

عملياً، قد تكون الدائرة مفرغة: الصاروخ الدقيق الذي يدفع «إسرائيل» إلى مباشرة اعتدائها العسكري، هو نفسه الذي يتسبب في امتناعها عن الاعتداء. كانت هذه المعادلة قائمة ومؤثرة بين الجانبين في «السلاح التقليدي» الذي تراكم بعشرات الآلاف، رغم التهديدات الإسرائيلية. وهي معادلة باتت معززة أكثر مع السلاح الصاروخي الدقيق، القادر على الإيذاء المركّز والموجّه، وبما يتيح للمقاومة، كما يرد في التقرير العبري، إصابة مبنى الكريا في تل أبيب (وزارة الأمن وأركان الجيش).

ما تقدّم يعني أن العدو الذي سعى طويلاً للحؤول دون امتلاك المقاومة للصواريخ الدقيقة، بات معنياً الآن بمنع مراكمة إضافية عددية لهذه الصواريخ، مع سعي للحؤول دون استخدامها الفعلي. وهو تطوّر من شأنه تخفيف مستوى دافعية «إسرائيل» للاعتداء، وإن كان لا يلغيه. فخيارات «إسرائيل» الواقعية والهادفة إلى منع حزب الله من امتلاك «الدقة» شيء، وخياراتها في منع استخدامه لهذه الصواريخ التي باتت موجودة، شيء آخر. بل إن واحداً من محددات معظم الخيارات المتاحة، بداهة، أن تسعى «إسرائيل» إلى مواجهة هذه الصواريخ عبر امتناعها عن فعل ما يتسبب في دفع حزب الله لاستخدامها ضدها، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى مواصلة انكفائها عن شن الاعتداءات المباشرة في الساحة اللبنانية.

وكان السؤال ليكون منطقياً أكثر، إزاء المواجهة واحتمالاتها، في الفترة التي سبقت امتلاك حزب الله الصواريخ الدقيقة، إذ إنّ ما بعدها مغاير لما قبلها. في التفصيل، يشار الى أن تحمّل «إسرائيل» تكلفة المواجهة المحتملة كنتيجة معقولة ومقدّرة لمحاولة منع حزب الله من امتلاك «الدقة»، أكثر منطقية وأكثر ترجيحاً من تحمل تكلفة حرب عوائدها وفوائدها تقتصر على تحييد مؤقت وجزئي لهذا السلاح. يعني ذلك أن «إسرائيل» باتت الآن معنية أكثر من السابق ــــ نتيجة نجاح حزب الله في تدعيم جهوزيته ومستويات ردوده بالسلاح الدقيق ــــ بتحييد المواجهة ومنع مسبباتها. إذ لا يعقل أن تتسبب في تفعيل سلاح ما ضدها، في سياق مساعيها التي باتت مركّزة أكثر على منع تفعيله. وهو ما ينطبق بشكل كبير جداً على السلاح الدقيق في لبنان.

قد يناقش البعض في أن هذا التغيير، أي الصواريخ الدقيقة، من شأنه دفع العدوّ الى فعل ما كان يهدد به، وإن أدى ذلك إلى مواجهة بين الجانبين، فهذه ترجمة فعلية لتهديداته. والإقرار بعد إنكار، مقدمة للاعتداء الإسرائيلي المقبل على هذه الأسلحة، عبر تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لتلقّي تبعاتها.

 

فكرة العدوان على لبنان «لأهداف انتخابية» خاصة بنتنيناهو هي فكرة بلا دعائم منطقية

 

 

بالطبع، هذه المجادلة لا تخلو من وجه صحة. فالعدو غير مأمون الجانب، وهو يتحيّن الفرصة لتوجيه اعتداءات حتى في الساحة اللبنانية، وخاصة إن كان هدف الاعتداءات تحييد تهديد استراتيجي على شاكلة وبمستوى السلاح الصاروخي الدقيق لدى حزب الله. لكن في المقابل، العوامل التي من شأنها منع تنفيذ الاعتداءات، أقلّه تلك المباشرة التي تستدعي في أعقابها ردوداً مقابلة وتبادل ضربات، ومن ثم مواجهة واسعة، أكثر ثقلاً وتأثيراً على طاولة القرار في تل أبيب، من العوامل الدافعة لشن الاعتداءات، وإن كانت تلك العوامل الدافعة للاعتداء حاضرة دائمة كما هي حالها منذ سنوات، ومدار تقدير وإعادة تقدير على مدار الساعة.

يضاف إلى هذه المجادلة أيضاً، عامل التأثير في القرار الإسرائيلي المرتبط بالانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في آذار المقبل، وخاصة أن نتنياهو، صاحب القرار السياسي في تل أبيب، مأزوم جداً في معسكره اليميني حيث التنافس على أشده على قيادة هذا المعسكر، ما يعني أنه يحتاج الى رافعة تأثير على الجمهور اليميني للالتفاف حوله في الانتخابات، وهو ما يتساوق مع أفعال عدائية وإنجازات عسكرية، من بينها «إنجاز» تحييد صواريخ حزب الله الدقيقة، وإن كان ذلك عبر اعتداءات عسكرية مباشرة.

في الشأن الانتخابي بوصفه عاملاً دافعاً لتحسين موقف نتنياهو انتخابياً، الحديث مكرر جداً وبات عادة متّبعة تلقائية لدى البعض عشية الاستحقاقات الانتخابية في الكيان. وهذه المجادلة بلا دعائم منطقية، إذ لا يعقل لنتنياهو وغيره، إن سُمح له في الأساس بتفعيل خيارات متطرفة في لبنان بناءً على مصالح شخصية، أن يدعم موقفه الانتخابي عبر مواجهة تؤذي «إسرائيل» والإسرائيليين، وإن كانت تؤذي في المقابل الجانب الثاني أكثر. كان ليكون الدافع معقولاً أكثر في ساحات أخرى، حيث يمكن للإنجاز العسكري إن حصل بلا تبعات وردود فعل مقابلة، ومن دون مخاطرة في الانجرار إلى مواجهة واسعة، وهو واقع منتفٍ تماماً في الحالة اللبنانية. ما يمنع «إسرائيل» من «المعالجة العسكرية» للتهديدات التي تصفها بالاستراتيجية في لبنان، يمنعها وبشكل أكثر تأكيداً، إن كان الهدف منها تحسين الموقف الانتخابي لهذا السياسي أو ذاك، وإن كان رئيساً للحكومة.

الواضح أن «إسرائيل» خسرت، باعترافها، معركة منع حزب الله من امتلاك السلاح الدقيق، الذي كانت وما زالت تؤكد أنه يمثل تهديداً استراتيجياً «لا يمكن تحمّله والتعايش معه». إلا أن التهديد في المقابل منعة للبنان، وخاصة أنه يتكاتف مع عوامل المنعة الموجودة التي دفعت العدو إلى تقييد هامش مناورته العدائية قبالة الساحة اللبنانية وحيّدت بالنتيجة رافعة الضغط العسكرية الموجودة لديها، لفرض إرادتها وأطماعها على لبنان.

إلا أن النجاح في معركة الدقة لا يلغي الحرب الدائرة بين الجانبين على تعاظم القدرة العسكرية لدى حزب الله، التي تهدف إلى إشباع الموقف الدفاعي في وجه العدو، المعني في المقابل بأن يسعى لمنع هذا التعاظم.