سنوات وسنوات مرّت، وهم يتحدثون عن المفاعل النووي الايراني… ماذا حقق؟ وما لم يتحقق منه، زيادة من هنا ونقص من هناك، والنتيجة واحدة… لا أحد يعلم الحقيقة.
المصيبة تبدو في هذا الملف وكأننا نعيش فيلماً سينمائياً طويلاً، لكنه مشوّق خصوصاً وأنّ المخرج ذكي جداً و»شاطر» إذ يُبْقي المشاهد مشدوداً الى كل مرحلة من مراحل الفيلم، ليبقى التشويق موجوداً، يجذب مشاهديه.
نقول هذا الكلام لا لنتجنّى على أحد، ولا لنتهم أحداً أو نبرّىء أحداً، ولكن «الضحك» على عقولنا كل هذه السنين، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، أو لا يمكن أن يكون مقبولاً.
فلنبدأ بالسؤال الأوّل: كيف ولماذا… دمّر سلاح الجو الاسرائيلي المفاعل النووي العراقي؟ ليُصْدِر بعد تدميره بياناً من هيئة الدفاع الاسرائيلية يعلن فيه تدمير المفاعل النووي العراقي عام ١٩٨١.
السؤال الكبير هو: لماذا لم يتم التعامل مع هذا الملف أميركياً وإسرائيلياً، كما تم التعامل مع الملف العراقي؟
العملية أي الضربة الجوية التي قامت بها 8 طائرات إسرائيلية دمرت مفاعل «تموز» النووي سمّيت عملية «اوبرا».
نأتي الى ملف المفاعل النووي السوري، ولهذا الملف قصة مشوّقة، إذ ان هذا موضوع بناء مفاعل، عرض على الرئيس حافظ الأسد، فكان جوابه الرفض، قائلاً: «إنّ النظام السوري لا يتحمّل قيام مفاعل نووي قريب من إسرائيل، وبالتالي فإنّ إسرائيل وبموافقة أميركية أكيدة سوف تدمّره». وهذا ما حصل.
إذ جاء مسؤول إيراني كبير الى دمشق، عام 2003 وقدّم عرضاً للرئيس بشار الأسد قائلاً إنّ إيران ستقدّم مبلغ 4 مليارات دولار لبناء مفاعل نووي. فردّ فوراً بالقبول. وهكذا بدأ العمل في المفاعل النووي السوري، واختار العلماء أن تكون دير الزور مكاناً لبناء المفاعل النووي.
حظ سوريا كان سيّئاً، لأنّ المخابرات الاسرائيلية ومن خلال التنصّت المخابراتي على الخلوي تبيّـن أنه وفي أحد الأشهر، كانت هناك عشرات الآلاف من الاتصالات الهاتفية بين دير الزور وبين كوريا. ما ولّد شكاً عند المخابرات الاسرائيلية، ما دفعها الى تشديد الرقابة والتجسّس على سوريا، حيث وقع ضابط سوري كبير في الفخ، فوصل الى لندن ونزل في أحد الفنادق وصعد الى غرفته ووضع أغراضه في الغرفة وترك أيضاً جهاز الكومبيوتر الذي كان يحمله، ونزل الى «لوبي الفندق» واستقل سيارة من السفارة السورية كانت تنتظره. استفاد عنصران من «الموساد» كانا يراقبان الضابط الكبير، فصعدا الى غرفته، وحصلا على كل المعلومات المتوفرة على جهاز الكومبيوتر، ووضعا «جهازاً» داخل الكومبيوتر يستطيعان من خلاله الحصول على كل المعلومات التي تدخل الجهاز. وهكذا وقع السوريون في الفخ.
الاسرائيليون أخذوا هذه المعلومات وعرضوها على الاميركيين، وطلبوا السماح لهم بتدمير المفاعل النووي السوري… رفض الاميركيون بحجة انهم يريدون مزيداً من الإثباتات، فما كان من الاسرائيليين إلاّ أن قاموا ليلاً بغارة على دير الزور وحصلوا على صور للمفاعل وعدد كبير من الأدلة والبراهين التي تثبت أنّ سوريا تقوم ببناء مفاعل نووي. وبعد ذلك سمحت أميركا لإسرائيل بالقيام بعملية تدمير للمفاعل النووي السوري، وهذا ما حصل، إذْ قامت إسرائيل بعملية عسكرية دمرت فيها المفاعل النووي السوري. وبعد الانتهاء من العملية أصدرت إسرائيل بياناً تعلن فيه أنّ قوات الدفاع الاسرائيلية قامت بعملية تدمير للمفاعل النووي السوري.
إسرائيل قامت بعمليتي تدمير مفاعلين نووين من دون إعلان مسبق. فالسؤال لماذا تتعامل مع المفاعل النووي الايراني بشكل مختلف فهل يستطيع أحد أن يعطينا الجواب؟
لقد بيّنا كيف تم التعامل مع المفاعل النووي العراقي، الذي دُمّر، وبعد تدميره أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن التدمير، كما تحدثت عن المفاعل النووي السوري في دير الزور.
لكنّ التعامل مع الملف النووي الايراني كان مختلفاً. إذْ بقيَت عملية التخصيب عشر سنوات وسط إجتماعات، بين الدول الخمس: فرنسا وإنكلترا والصين وألمانيا وروسيا زائد أميركا.
والسؤال الكبير: خمس دول عظمى معها الدولة الأعظم حاكمة العالم -أميركا- تجلس مع وزير خارجية إيران؟؟؟
نعم 10 سنوات من المباحثات، حتى تم التوصّل الى اتفاق. وبالرغم من توقيع الاتفاق الذي ينص في أحد بنوده على تحديد كمية التخصيب التي يُصْنَع منها الوقود اللازم للمفاعل النووي، لم تلتزم به إيران واستمرت في عملها وكأنّ شيئاً لم يحصل.
ذهب الرئيس أوباما وجاء الرئيس ترامب الذي رفض الاتفاق وألغاه، وشدّد على العقوبات، وبالرغم من ذلك استمرت إيران بعملها ضمن استراتيجية مشروعها النووي على الشكل التالي:
أولاً: تخصب اليورانيوم الى درجة تؤهلها لتصبح جاهزة لإنتاج قنبلة نووية.
ثانياً: الإبقاء على مشروع السيطرة على البلاد العربية، ضمن مشروع التشييع، تنفيذاً لقول آية الله خامنئي بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
ثالثاً: استجدّ عنصر جديد، هو الصواريخ.
النتيجة الحقيقية التي تقف أمام الرئيس الجديد جو بايدن هي أنه لن يفعل شيئاً بل سيبقى شاهداً على العصر. فالمشروع الذي خطّط له كيسنجر وزير خارجية أميركا اليهودي، بخلع الشاه والمجيء بنظام ديني متطرّف تحقق.
المطلوب إشعال فتنة سنّية شيعية، لا بل حرب بين أهل السُنّة والشيعة كما حدث عام 1980 بين الخميني وصدّام… وهكذا يُقَسّم العالم العربي وتذهب ثرواته سدى، من خلال تخصيص هذه الثروات لشراء أسلحة تُستعمل لإشعال حروب وفتن…
إنّ العرب لو توحّدوا، لأصبحوا أكبر قوة صناعية وزراعية في العالم.
تصوّروا الأراضي الخصبة في السودان، واليد العاملة والخبرة الزراعية المصرية، والمال الليبي… لو توحّدت هذه كلها في عملية إنماء للوطن العربي لكان الاقتصاد العربي اليوم يغزو العالم كله.
لكن المطلوب، إعاقة التطوّر العربي، لمصلحة إسرائيل… ومن أجل هذا يمكن القول إنّ المفاعل النووي الايراني… صُنِعَ في إسرائيل.. فلماذا تلجأ الدولة العبرية الى تدميره..؟