IMLebanon

«عاصفة» إسرائيلية بوجه «الجنائيّة الدولية»: أوقفوا قراراتها… وإلا!

 

 

تتوالى ردود الفعل الإسرائيلية على القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يُهدّد بإمكانية ملاحقة مسؤولين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين. وعلى رغم أهمية القرار، وخصوصاً على المستوى الدعائي، إلا أنه يُستبعد أن يُترجم إيذاءً فعلياً لتل أبيب لاعتبارات عدّة، على رأسها مظلّة الحماية الغربية لهذا الكيان

 

ردود فعل شاجبة وعاصفة في إسرائيل ولّدها قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، اعتبار صلاحية المحكمة القضائية سارية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وصف قرار المحكمة بأنه سياسي وليس قضائياً، ودعا إلى عقد المجلس الوزاري المصغّر للتداول في مواجهته، فيما أعرب سياسيّو إسرائيل وكتّابها عن استنكارهم الخطوة، التي ترفع ــــ بحسبهم ــــ مكانة فلسطين إلى دولة، وحذّروا الدول الغربية من التداعيات السلبية للقرار، الذي سيسري على مسؤولي تلك الدول لاحقاً.

 

ورأى نتنياهو أن المحكمة أثبتت مرّة أخرى أنها هيئة سياسية وليست مؤسّسة قضائية، إذ إنها «تتغاضى عن جرائم الحرب الحقيقية وتلاحق إسرائيل، الدولة ذات النظام الديموقراطي المتين التي تُقدّس سلطة القانون». ورأى أن «القرار يمسّ بحق الدول الديموقراطية في الدفاع عن نفسها من الإرهاب، ويخدم من جهة ثانية الجهات التي تعمل على تقويض الجهود الرامية إلى توسيع رقعة السلام»، مؤكّداً في السياق، وبصورة غير مباشرة، أن تل أبيب لن تُغيِّر سياساتها وأساليبها المتبعة، إذ قال إن «إسرائيل ستواصل محاربة الإرهاب وحماية مواطنيها وجنودها من الملاحقة القضائية».

«العاصفة» الإسرائيلية ضدّ «الجنائية الدولية»، والتي يبدو أنها ستتواصل بأشكال وأساليب مختلفة في سعي لإفراغ القرار الأخير من مضمونه، توجب الإشارة إلى الآتي:

ــــ واحد من دوافع إسرائيل لمحاربة قرار المحكمة هو تبنّي الأخيرة فلسطين بوصفها دولة، وذلك بالاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضاً انضمام السلطة الفلسطينية إلى معاهدة «الجنائية الدولية» في عام 2015، الأمر الذي يجعل من إسرائيل ومَن يؤيّدها بلا ذرائع حقيقية لمواجهة القرار، إذ إن المعركة قائمة عملياً على بند واحد، وهو أن فلسطين ليست دولة، وبالتالي لا تسري عليها صلاحية المحكمة.

ــــ في الوقت نفسه، تُقرّ إسرائيل بصورة غير مباشرة بجرائم حرب ارتكبتها، في معرض محاربتها القرار ورفضه. إذ إن ما صدر عن المحكمة يتّصل بالصلاحية، من دون النظر فعلياً في أيّ من جرائم إسرائيل وفقاً لادّعاءات مطروحة أمام «الجنائية الدولية»، الأمر الذي يعني من ناحية تل أبيب، التي تدرك ماهيّة أفعالها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن قرار الصلاحية مقدِّمة لازمة وضرورية لسيل من المحاكمات، ربطاً بالانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة للقانون الدولي.

ــــ كان لافتاً التهويل والتخويف المُوجَّه إلى الدول الغربية الوازنة وصاحبة التأثير، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وذلك عبر تحذيرها من أن ما سيبدأ بإسرائيل سينسحب لاحقاً على الجميع. وهو تحذير يشمل أيضاً دولاً وازنة شرقاً، كما هي حال روسيا والصين، الأمر الذي يوجب على تلك الدول المسارعة إلى مواجهة قرار المحكمة ومنعها من المضيّ قدماً فيه.

 

لن يسمح «المجتمع الدولي» للمحكمة، كما هي الحال مع محافل دولية أخرى، بالإضرار الفعلي بإسرائيل

 

 

ــــ اللافت أيضاً هو أن مضمون الاعتراض الإسرائيلي ممجوج؛ ذلك أنه لا يستند إلى الدفاع بأن الكيان العبري لم يرتكب جرائم حرب، بل يطالِب بأن تحاكِم المحكمة دولاً وكيانات أخرى «غير ديموقراطية»، لا إسرائيل «ذات النظام الديموقراطي». والواقع أن هذه المحاججة مردودة من ناحية قانونية، كون المحكمة لا تقول إنها ليست ذات صلاحية في النظر في جرائم هي من اختصاصها تتعلّق بالدول التي تقصدها إسرائيل في ردّها، ومن بينها إيران وسوريا وكوريا والصين وغيرها، بل إن صلاحية «الجنائية الدولية» تشمل إسرائيل كما الدول الأخرى، سواء تلك التي ذكرتها تل أبيب أو التي لم تذكرها. والقرار هنا قرار صلاحية، ولا يتعلّق بجريمة حرب محددة.

مع ذلك، من المفيد الإشارة إلى التالي، منعاً للوقوع في خطأ التقدير:

ــــ لن يسمح «المجتمع الدولي» للمحكمة، كما هي الحال مع محافل دولية أخرى، بالإضرار الفعلي بإسرائيل، التي ستستطيع أن تأمن هذا المستوى من الضرر. وتماماً كما ورد في تحذيرها للدول الغربية، فإن ما يحدث لها سيحدث لتلك الدول لاحقاً. إلا أن للمنع حدوداً، إذ يُتوقّع أن تتعامل الدول الوازنة مع «الجنائية الدولية» وقرارها الأخير بوصفه عامل ضغط مؤثراً على إسرائيل، يمكن تفعيله أو تفعيل جزء منه، لحثّها على فعل أو الامتناع عن فعل، يرتبط بسياسات الغرب، وتحديداً بالإدارة الأميركية الجديدة. أي أن القرار الأخير، وعلى رغم «الامتعاض» الكلامي الأميركي منه، سيكون واحداً ممّا يُتوقّع أن تواجهه إسرائيل في الفترة المقبلة، بعد «تناغم إلى حدّ التوافق» مع تطرّفها، طوال السنوات الأربع الماضية، من قِبَل الإدارة الأميركية السابقة.

ــــ بات بإمكان صاحب المصلحة والصفة أن يرفع دعواه أمام المحكمة، وهو ما يستتبع «وجع رأس» دعائياً لإسرائيل، عبر إعادة الحديث عن جرائمها التي يتناساها الإعلام الدولي، الأمر الذي يؤمّن تذكير الرأي العام العالمي بطبيعة هذا الكيان ومنهجه العدائي القائم على الاحتلال.

ــــ على رغم ما تقدّم، يجب التأكيد أن مسؤولي إسرائيل، مِمّن ارتكبوا جرائم حرب كواحدة من أهمّ أدواتهم لفرض إرادتهم على الآخرين، سواء كانوا سياسيّين أو عسكريّين أو أمنيّين، لن يخضعوا لمساءلة فعلية تتبعها عقوبات، فهذا بعيد جدّاً، إن لم يكن منتفياً.

في الخلاصة، الأَوْلى أن تبتعد التقديرات عن التعامل مع قرار المحكمة، حتى وإن استتبع لوائح اتهام، بوصفه عامل كبح أو تقليص لدائرة الفعل العدائي الإسرائيلي، وتوثّب الكيان الدائم لخرق القوانين الدولية. صحيح أن القرار سيّئ جدّاً لإسرائيل، لكنه غير مؤثّر إلى حدّ يلجم أفعالها واعتداءاتها، التي تُعدّ جزءاً لا يتجزّأ من ماهيّتها ووجودها، بل هو واحدة من أهمّ دعائم استمرار هذا الوجود.