IMLebanon

النصائح الإسرائيليّة المسمومة!

 

لم يكن ينقص لبنان سوى “النصائح” الاسرائيليّة المسمومة كتلك التي عبّر عنها رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينت الذي أكد أن حكومته تراقب الوضع عن كثب في لبنان وقد خصصت ميزانيّة تساوي نحو مليار شيكل لإستكمال بناء الجدار العازل مع لبنان خوفاً من تطورات سلبيّة وتسلل محتمل إلى داخل الأراضي المحتلة.

 

ولكن الأخطر أن ثمّة تحليلات سياسيّة إسرائيليّة تعتبر أن الحرب المقبلة مع لبنان واقعة لا محالة وأن المسألة لا تعدو كونها مسألة وقت لا أكثر طبعاً من دون تحديد موعد مرتقب أو حيثيّات متصلة بطريقة إندلاعها وعمقها وضراوتها، فهذه قضايا يحددها الميدان بُعيد الاشتعال بمعزل عمّا يُخطط له مسبقاً.

 

قد يكون لبنان في أسوأ حالاته من حيث فداحة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وقد يكون مرشحاً لمزيد من التدهور كما تسير الأمور وفق حالة اللامبالاة التي تعيشها بعض القوى القابضة على السلطة لا سيّما تلك المولجة عمليّة تأليف الحكومة. ولكن الأكيد أن لبنان ليس بحاجة لمساعدات إسرائيليّة مسمومة ولا لنصائح إسرائيليّة مفخخة.

 

إن تجربة لبنان مع الاحتلال الاسرائيلي الذي دام منذ العام 1978 إلى العام 2000 لا تزال ماثلة في أذهان اللبنانيين والجنوبيين الذين ذاقوا لوعة فقدان السيادة والاستقلال. كما أن المعاناة الفلسطينيّة المستمرة منذ عقود في أحد أطول الصراعات في التاريخ إنما تعكس وحشيّة هذا الاحتلال وممارسته المنتظمة لإرهاب الدولة في الأراضي المحتلة.

 

إلا أن هذه المواقف السياسيّة المبدئيّة يُفترض ألا تقف عائقاً أمام البحث المعمق في جديّة التهديدات الاسرائيليّة وإستكشاف ما إذا كانت مجرّد فقاعات إختبار إعلاميّة أم تخفي خلفها قرارات حاسمة في شن عدوان جديد على لبنان. ففي لحظة تقدّم المفاوضات الإيرانيّة- الغربيّة في فيينا، لا يمكن إستبعاد أي رد فعل إسرائيلي في أي موقع آخر لا سيّما أن إسرائيل تختزن حقداً تاريخيّاً على لبنان الذي أخرجها من أراضيه بدون توقيع إتفاقيّة سلام أسوة بما حدث في مواقع أخرى.

 

كما أن إسرائيل تكره التجربة اللبنانيّة القائمة على التعدديّة والتنوّع التي تناقض جوهريّاً تجربتها القائمة على الآحاديّة والعنصريّة والفاشيّة. ولقد كرّست تجربتها هذه في سياساتها العدوانيّة ليس فقط تجاه لبنان إنما أيضاً في الداخل الفلسطيني، ومن خلال قوانين الفصل والتمييز التي تصدرها بما يثبت هذا التوجه.

 

وإذا كان من دروس يمكن إستخلاصها من هذا الموقف الاسرائيلي القديم- الجديد هو قراءة حجم المخاطر المحيطة بلبنان وعمقها وتعقيدها وهو ما يتطلب مقاربات جديدة مختلفة نوعيّاً عن المقاربات السابقة التي أثبتت عقمها وعدم جدواها في مواجهة التحديات الهائلة التي تمّر بها البلاد على مختلف المستويات السياسيّة والامنيّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.

 

لا فرق بين الفقر والاحتلال، ولا فرق بين طوابير الانتظار على محطات الوقود والطوابير التي كانت تنتظر دورها للمرور على حواجز الاحتلال. الذل نفسه، والقهر نفسه، وامتهان الكرامة الانسانيّة هو نفسه. ولكن المأساة الحقيقيّة تكمن في أن البلدان التي تكون قابعة تحت الاحتلال تكون مسلوبة الارادة، فهل يجوز أن تكون البلدان المحررة أشد قساوة على أبنائها في حقبة الاستقلال؟

 

ولكن هل هناك استقلال فعلي؟ وهل هناك إرادة وطنيّة حقيقيّة؟ ماذا تبقى من الدولة التي يفترض أن تحمي المواطن وتوفر له الحد الأدنى من مقومات الكرامة والعيش الكريم واللائق الذي يتماشى مع طموحاته وأحلامه. ألم يحن الأوان لوقفة مع الذات ومع الضمير؟