للكلمة والفكرة لدى أهل القلم في السياسة والاعلام، إغواء وإغراء أشدّ جاذبية من سحر جميلات النساء! وفي لحظة ضعف يقعون في التجربة ويرتكبون زلّة الزنا السياسي، على الرغم من سمعتهم العطرة وشهادة حسن السلوك… وهم معذورون، لأنهم ليسوا من جنس الملائكة! يحدث مثل هذا الواقع حاليا مع بعض أهل القلم والسياسة في موضوع قضية وطنية وقومية مفصلية عند الحديث عن كردستان والاستفتاء وأكراد العراق، ونضالهم العتيق وتضحياتهم الموجعة لقيام دولة مستقلة خاصة بهم… وأيا تكن تسميتها فبالنتيجة لا يمكن قيام هذه الدولة الافتراضية إلاّ بالانفصال عن حقيقة قائمة على الأرض!
لعل عنوان اسرائيل ثانية لوصف قيام محتمل لدولة كردية في العراق تقوم اليوم أو غدا، أو لا تقوم على الاطلاق، قد استفز بعض أهل القلم، وأغواهم سحر السباحة في التيار المعاكس، وذهبوا الى التقليل من شأن قيام دولة كردية على المصير الوطني للعراق، بل والمصير القومي للعرب، والتهوين من آثار قيامها! وهذا ما فعله بالضبط دهاة السياسة الانكليز بالتهوين من شأن وعد بلفور، وآثاره المحتملة على دولة فلسطين التي كانت قائمة في ذلك الحين، وها نحن نعلم اليوم ونرى ونلمس وندرك وننكوي بما فعلته فينا آثار التهوين بوعد بلفور بعد قيام اسرائيل الأولى!
أما اسرائيل الثانية في ثوب دولة كردية في العراق، كمشروع سياسي وتخطيط استراتيجي، فهو يندرج اليوم تحت عنوان أعجوبة الدجاجة الأميركية التي تحتضن البيض زمنا، وبعدها تفقس كل بيضة كردية صوصا اسرائيليا! والعلم هو رمز يرفع في المناسبات الوطنية الكبرى اما ابتهاجا أو حدادا. ومن بين كل أعلام الدنيا اختارت حفنة من الشباب الكردي رفع العلم الاسرائيلي حصرا ابتهاجا بالاستفتاء! ومن غير المستبعد أن يكون رافعو العلم هم بعض رجال الاستخبارات الاسرائيلية المقيمين في أربيل، وقد تنكّروا بملابس كردية!
لن نذهب للاستدلال بشهادات عربية، فالعرب منقسمون في الثقافة والفكر والنهج والأخلاق وبعدد لا يحصى من مشتقات هذه الكلمات في القاموس السياسي! والأكثر تعبيرا عن هذا الواقع هو ما يقال اليوم في اسرائيل عن كردستان، ويتكرر بلهجة مماثلة لما يتردد اليوم في كتابات بعض الصحافيين والكتّاب العرب، من تهوين لقيام الدولة الكردية والانفصال عن العراق! ويقول البروفسور موردخاي كيدار الأستاذ في جامعة تل أبيب ان قيام الدولة الكردية سيصبّ في النهاية في مصلحة اسرائيل. وإذ يؤكد معلومات المصادر الأجنبية بوصول النفط الكردي الى اسرائيل، فانه يقول ان الاعتبارات الاستخبارية أكثر أهمية من النفط بالنسبة لاسرائيل. ويضيف ان وجود اسرائيل في كردستان مع وجودها القوي في دولة أذربيجان سيوجد قاعدة تجسس بالغة الأهمية في المنطقة، على ايران والمنطقة! والقواعد الاستخبارية الأجنبية في بلدان أخرى هي احتلالات مقنّعة، سواء أكانت أميركية أو اسرائيلية!