على مدى تاريخها، بينت عمليات اسرائيل البرية، اعتمادها على سلاح المدرعات بشكل كبير، ما جعل الدول العربية تسعى لاقتناء احدث واقوى ما فى الترسانة العسكرية الغربية والشرقية من صواريخ مضادة للدروع، من «الساغر» الى «الكورنيت»، مرورا «بالتاو» و«الجافلين» و«الميلان». امر بينت نتائجه بطبيعة الحال حرب «اكتوبر»، الى ان جاءت حرب تموز 2006 لتظهر مرة اخرى فعالية الاسلحة المضادة للدروع في مواجهة الدبابات.
حرب لبنان تلك أحدثت تحولاً نوعياً في التفكير العسكري الإسرائيلي، فباتت حماية الجنود أولوية لدى قادة الجيش لاسيما بعد معركة وادي الحجير وما أفرزته هذه المعركة من نتائج. تلك المعركة التي أحرجت الدعاية العسكرية الإسرائيلية لـ «أسطورة الميركافا» وجعلت اللواء النخبوي المدرع «401» يخسر عدداً كبيراً من طاقمه في حين لم تقدّم له هذه الدبابات الحماية التي كان يتغنّى بها. الامر الذي كان من اهم اسباب إيقاف الحرب، بحسب الخبراء.
ففي الذكرى العاشرة لتلك الحرب استعرض موقع «واللا» معركة «صيد الدبابات» في وادي الحجير وانكشافها امام صواريخ «الكورنيت» لحزب الله، التي دمرت فولاذ الميركافا ومنعتها من التقدم من دون ان تدري اطقمها من اين تأتيهم الصواريخ، مشيرا الى ان الجيش الاسرائيلي حقق في 59 استهدافاً للاليات العسكرية خلال الحرب، مع جمع ادق التفاصيل حولها، ليتبين من التحقيقات ان صواريخ حزب الله اخرجت 47 دبابة ميركافا من المعركة، منها 24 اصابة باختراق قاتل نتيجة انفجار الذخائر الموجودة داخل الميركافا، ما ادى الى مقتل 24 جنديا في معارك مختلفة، من بينهم 18 في خمس اصابات فقط.
وبحسب الموقع، يقر الجيش الاسرائيلي، انه في المعركة المقبلة مع الحزب ستبرز صعوبة كبيرة في إمكان اختراق منظوماته المضادة للاليات، ما يفرض رفع مستوى التدريبات التي يخوضها سلاح المدرعات، مع ادخال تكنولوجيا متطورة الى الدبابات (منظومة معطف الريح)، وبعض منها يعد مفاجأة لحزب الله.
من هنا جهد الجيش الإسرائيلي والصناعة العسكرية الإسرائيلية استنادا لنتائج وعبر حرب لبنان الثانية 2006 القاسية والخطيرة خاصة فيما يتعلق بشل سلاح المدرعات الإسرائيلية وتحييد أهم مكوناته وهي دبابة «الميركافا 4» التي تعتبر العمود الفقري لسلاح المدرعات الإسرائيلي بعد تدميرها بواسطة صواريخ «كورنيت» لتصميم وإنتاج منظومات خاصة ومتطورة توفر الحماية لهذه الدبابة.
جهود خلصت بعد الكثير من البحث والدراسة واستثمار الأموال إلى إنتاج اكثر من نظام مضاد لتركيبه على الدبابات لحمايتها من الصواريخ مع اعتراف إسرائيل بان عملية تزويد جميع دباباتها بهذه المنظومات سيمتد لسنوات طوال بسبب الميزانيات والتكلفة المالية الكبيرة والقدرة الإنتاجية للصناعات العسكرية. ومن ابرز تلك المنظومات :
1- منظومة «معطف الريح» أو «تروفي» منظومة فعّالة دخلت في تسليح القوات المسلحة للعدو الإسرائيلي، وقد خضعت لاختبارات عدّة للتجربة في أثناء الأعمال القتالية. تتضمن المنظومة محطة رادار وحاسوبا ومدفعين آليين تلقمان بطريقة ذاتية، تؤمن المنظومة حماية دائرية، فيقوم الحاسوب بحساب مسار الصاروخ بمجرد كشف الرادار عنه ويرسل إشارة أمر لتدميره إلى المدفعين. حينئذ يوجه المدفع الآلي كريات معدنية باتجاه الصاروخ لتدميره في أثناء إقترابه من الآلية المدرعة. في بداية الأمر تستخدم المنظومة نظاماً بديلاً يؤمّن حرف الصاروخ عن مساره بواسطة تشويش إشارات التحكم فيه.
تقوم فكرة هذا النظام في الأساس على وجود رادار يمكنه اكتشاف الصواريخ المتجهة نحو الدبابة في زاوية قدرها 360 درجة وإطلاق صاروخ اعتراضي نحوه وتدميره قبل أن يصل إلى الدبابة. وكان هذا النظام نتاج أبحاث وتطوير لمدة عشرة اعوام داخل مختبرات كلا من منظمة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة وشركة التا مجموعة صناعات الطيران الإسرائيلية.
وإلى جانب هذا النظام هناك ما يُعرف بـ «التروفي لايت» الذي يمكن تثبيته على المركبات العسكرية المختلفة. كذلك أثارت هذه المنظومة اهتمام الكثير من جيوش العالم التي أبدت رغبتها في شراء هذه المنظومة لتحصين مدرعاتها ودباباتها ضد الصواريخ المضادة للدبابات لكن الجيش الإسرائيلي فضّل أن يكون الأول على مستوى العالم يقتني ويستخدم هذه المنظومة.
ادعى بعض قادة المدرعات الإسرائيلية ان هذه المنظومة كانت موجودة لدى العدو حتى قبل حرب تموز، لكن الجيش فضّل عدم شرائها توفيراً للأموال الأمر الذي أثار غضب الجنود على قيادة العدو، التي فضّلت الأموال على حياة الجنود حسب أقوالهم، لاسيما وأنّ ثمن المنظومة الواحدة نحو 300 ألف دولار. لكن في النهاية قررت قيادة الأركان الإسرائيلية اقتناء عدد محدود منها لتركيبها على الدبابات الموجودة حالياً، على أن يتم تركيب هذه المنظومة على جسم كل دبابة ستخرج من خط الإنتاج مستقبلاً، بحسب ما كشفت وسائل اعلام اسرائيلية.
يشار الى ان القوات البرية الأميركية وفيلق المشاة البحرية اجرت اختبارات لمنظومة Trophy الإسرائيلية للحماية النشيطة للمعدات المدرعة، من تصميم شركة Rafael الإسرائيلية، من الصواريخ والقذائف الصاروخية وطلقات المدفعية، حيث زودت وزارة الدفاع الأميركية في إطار الاختبار المذكور منظومات الحماية النشيطة هذه على دبابتيها Abrams من موديلي A1 وA2 وناقلتيها Stryker المدرعتين المدولبتين. وقد استأجر الأميركيون أربع مجموعات اختبارية لهذه الغاية.علما ان منظومة Trophy هي الوحيدة الفعالة التي دخلت في تسليح القوات المسلحة، ومجربة مرارا في أثناء الأعمال القتالية، مما جعل البنتاغون يهتم بهذه المنظومة الإسرائيلية بصورة جدية.
2- نظام «تاندير» للانذار الخامد، تنتجه شركة «البيت سيستمز».هو نظام انذار فقط يمكن دمجه مع نظامى «السهم الساطع» او «القبضة الحديدية» فهو يكشف البصمة الحرارية للصواريخ او القذائف او حتى الاسلحة الصغيرة ويحسب المعالج الداخلى للنظام ومدى التهديدات وتوقيت الاصطدام بها .
3- نظام «السهم الساطع» انتاج مجمع الصناعات العسكرية الاسرائيلية وهو نظام يدمج بين اجراءات القتل الناعم والخشن على شكل رشاش عيار 7.62 وكبسولة تطلق بمجرد رصد اطلاق صواريخ او قذائف حتى لو كانت قذائف دبابات. تطلق الكبسولة فى نفس اتجاه التهديد وتنفجر به وايضا قادرة على التصدى لعدة اهداف فى وقت واحد وقد اشترى الجيش الفرنسى هذا النظام لدمجه على عربات الاستطلاع «رينو شيربا» وظهر هذا فى معرض «يوروستورى2012».
4-نظام «القبضة الحديدية» انتاج مجمع الصناعات العسكرية الاسرائيلية ايضا، اعلن عنه عام2012 ويتشابه كثيرا مع «السهم الساطع» لكن دون الرشاش عيار 7.62، يمتاز بقتل التهديد على مسافة تتعدى 70مترا ويعتبر منافسا «للتروفي» ولكن يمتاز عنه بكثرة كبسولاته ولكنه اثقل من السهم الساطع .
لا الوعود ولا المفاجآت كافية لازالة قلق القيادة العسكرية الاسرائيلية وبالتحديد قادة سلاح المدرعات،مع خروج «كورنيت» الجيل الاول من الخدمة لدى الحزب ودخول صواريخ أكثر دقة وفتكا وتدميرا. فالانظمة المضادة للصواريخ اخذت منحنى اخر بمعنى ان كل هذا التطور ليس الا مجرد البداية، وكل تطور فى الصواريخ سيقابله تطور فى الانظمة المضادة لها. من هنا سنرى في الحروب المقبلة جيلاً جديداً من المواجهة بين الدبابة والصاروخ.