IMLebanon

إسرائيل والأسد

«إرتاح» الإسرائيليون بعد كلام بشار الأسد الأخير عن أولوية مواجهة الجماعات «الإرهابية والتكفيرية» في الداخل السوري طالما انها بالنسبة إليه صارت «أخطر» من إسرائيل.. ولم تتأخر صحف تل أبيب في تفسير ذلك الكلام بما يفيد بأن الأسد أعطى عملياً «الضوء الأخضر» لاستمرار الغارات الجوية الإسرائيلية من خلال إيحائه بأنه لن يردّ على أي غارة!

ما يُفهم من هذه التوليفة هو ان الإسرائيليين كانوا مرعوبين دائماً من احتمال ان يردّ الأسد على اعتداءاتهم في الداخل السوري! أو ان الأمر كان كذلك بالفعل وتغيّر راهناً بحكم تعاظم المخاطر الداخلية وانشغال الآلة الحربية السلطوية الى حدود تجعلها تعدّل في احداثياتها وتغيّر اتجاه البوصلة عندها، وللمرة الأولى في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي!

والواضح انه يصعب اتّهام الإسرائيليين بالغباء، لكن سهل اتّهامهم بالتغابي (أو التذاكي لا فرق!)، وهم في ذلك يعرفون تماماً مثلما يعرف كل سوري وعربي، وكل معني بالمنطقة والنزاع التاريخي فيها، ان السلطة الأسدية المزدوجة، مع الأب ثم مع الإبن، اعتمدت بعد حرب العام 1973 نهجاً مستداماً لم تخرقه ولو لمرّة واحدة، ولم تسمح لأي طرف على وجه الأرض باختراقه: شرط استمرار الامساك بالسلطة هو التنفيذ الدقيق (والأسطوري) لوظيفة حماية الحدود الشمالية الإسرائيلية في جانبها السوري!

يمكن «اللعب» من بعيد، عبر لبنان وفي حدوده وضمن مدوّنة سلوك تفصيلية تحدّد الخطوط الحمر والصُفر والخُضر، وبما يسمح ببقاء معادلة الهدوء النفناف في مرتفعات الجولان المحتلة، عصية على أي تعكير.. وتلك بالفعل، بقيت عصية على أي تعكير حتى في مراحل ومحطات كبيرة وصعبة مثل الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 والذي شهد من ضمن ما شهد، مواجهات برية وجوية متفرقة كان الجانب السوري طرفاً فيها.

التزم الأسد الابن تلك المعادلة بحذافيرها ولم يتزحزح خطوة واحدة عنها.. طنّش حتى في اللحظات التي أحرجته فيها إسرائيل زيادة عن اللزوم! عندما حلّق طيرانها الحربي فوق قصره في اللاذقية مثلاً. أو عندما قصَفَ ما قيل انه منشآت مشروع نووي في دير الزور. أو بعد ذلك عند الاستهداف المتكرر لمواقع ومخازن ومنشآت عسكرية الطابع في المناطق المحيطة بدمشق والقريبة منها، وصولاً في الآونة الأخيرة الى الغارات الموضعية في المناطق الداخلية السورية المحاذية للجولان.

لا جديد إذن في ما أعلنه الأسد. ومع ذلك احتفلت به إسرائيل، أو تحاول الايحاء بذلك. لماذا؟

التفسير المنطقي الوحيد (ربما!) هو ان إسرائيل تحتفل بالجانب التوجيهي التعبوي «الفكري» (إذا صحّ التعبير!) في كلام الأسد. وتفترض انه، وهو الذي صار دمية في يد إيران، لم يتردد في البوح علناً بأن «أولوياته» النضالية والجهادية والممانعة تغيّرت. وقال ما قاله من دون أن يأخذ في اعتباره ولا للحظة واحدة، أو كلمة واحدة، احتمال أن يزعج كلامه أربابه في ايران، بل الأرجح، هو انه يعبّر من جانبه، عن توجه مُشترك آخذ بالتبلور وعن مناخ جديد آخذ بالتشكّل في دولة «الولي الفقيه» وملحقاتها، باتجاه إسرائيل والنزاع معها.