لا يوازي الاحتفال الممانع الصاخب والقريب من الهلوسة في الواقع، بفك الحصار عن «مطار كويرس» العسكري في ريف حلب، سوى صمت القبور المحيط بالغارة الإسرائيلية الجديدة على أهداف في محيط مطار دمشق.
وذلك ما يدفع الى الظن، بأن بعض الأهداف المتوخاة من هذا التضخيم الافتعالي لخبرية فك الحصار، يتعلق تحديداً بإثارة ما يكفي من غبار للتغطية على الغارة الإسرائيلية الجديدة وغياب أي إشارة محتملة (ومألوفة) الى التوعّد بـ»الرد على العدوان في الوقت المناسب»!
وهذه الغارة بالمناسبة، هي الثانية التي تشنها طائرات إسرائيلية على أهداف ومواقع قريبة من دمشق وريفها في غضون أسبوعين.. والغريب، هو ان الصمت إزاء الغارتين لم يقتصر فقط على كلاميات وتخرّصات السلطة الأسدية، وإنما وصل أيضاً الى «حزب الله»، بحيث ان كلمة واحدة، لم تُقل أو تُعلن، لا من الباب الخبري المحض ولا من أي باب آخر في شأنهما. بل المفارقة هي أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لم يتجاهل في خطابه الأخير (أول من أمس) الأمر نهائياً فحسب، وإنما أرفق ذلك التجاهل بقراءة ذهبت باتجاه آخر، أي الى حدّ استبعاد قيام حرب جديدة مع إسرائيل.. قريباً.
والمشهد برمّته ولاّد أعاجيب: «حزب الله» في قمة استنزافه وحرجه في سوريا، لكنه وصل بعد «عاصفة السوخوي» المجهضة الى حدّ السكوت أو إيثار الصمت، حتى على استهدافه من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي!
.. وماذا تراه يقول طالما انه يعرف يقيناً وتماماً بتاتاً، أن الطيران الإسرائيلي يستهدفه هذه المرة، في ظل تنسيق أكيد مع الطيران الروسي! هذا الطيران الذي جاء الى سوريا لتأمين غطاء جوي لمقاتلي الحزب وميليشيات إيران المذهبية وبقايا السلطة الأسدية، لا يطير ولا يناور ولا يُغير ويقصف، إلا بعد إتمام كل إجراءات التنسيق المطلوب مع إسرائيل وبواسطة خطوط مباشرة مفتوحة بين «قاعدة حميميم» في اللاذقية وغرف عمليات وزارة الدفاع في تل أبيب.
أي أن الروسي «شريك» الحزب في الحرب دفاعاً عن الأسد، هو ذاته «شريك» إسرائيل في الحرب عليه!! وهذه معادلة لا يمكن ان تركب سوى في سوريا الأسد! والصورة باختصار: «حزب الله» الذي يرسل خيرة شبابه ليُقتلوا ويَقتلوا كرمى لعيون بشار الأسد، لا يستطيع حتى إبداء التبرّم أو الشكوى من استهدافه بغارات إسرائيلية، كي لا يشوّش على «التنسيق» بين موسكو وتل أبيب! وكي لا يضطر الى تقديم أي جواب عن أي سؤال في شأن هذه المصيبة، من أساسها الى تفرعاتها!
.. أما «الانتصار الأسطوري» الخاص بفكّ الحصار عن «مطار كويرس»، فهو لا يؤكد سوى المؤكد، من أن «عاصفة السوخوي» التي لم تستهدف «داعش» لم تتمكن من إعطاء الأسد وبقاياه ومؤيديه سوى ذلك «الانتصار» على «داعش»! عدا عن تعميم الخرس والصمت إزاء الغارات الإسرائيلية والتي يبدو انها ستستمر على وتيرتها.. وفي ظل «السوخوي» ما غيرها!