تساءلت أوساط بحثية أميركية بعد إسقاط تركيا طائرة سوخوي حربية روسية خرقت مجالها الجوي قبل أسابيع، عما إذا كان حادث مماثل يمكن أن يحصل على حدود إسرائيل مع سوريا. والجواب الفوري الذي قدمته كان: لا. وقد أكَّد ذلك مسؤولون إسرائيليون في تصريحات كرروا فيها وجود تنسيق بين بلادهم وروسيا، وطمأنوا بواسطتها شعبهم والحكومات الحليفة الى أن تدهوراً من هذا النوع لن يحصل بينهما. وفي هذا المجال كشف المسؤول الكبير في المكتب السياسي – الأمني التابع لوزارة الدفاع عموس جلعاد “أن الطيارين الروس خرقوا مرات عدة أجواء إسرائيل”، وأضاف: “نحن نعرف ماذا نفعل لمنع أي تدهور مع روسيا، وكيف”.
ويبدو واضحاً أن الخروق المذكورة حصلت عندما كان القصف الجوي الروسي يستهدف جنوب سوريا. وبما أن النشاط العسكري في تلك المنطقة ليس كثيفاً حتى الآن، فهناك اطمئنان الى أن تكراره لن يكون بوتيرة كبيرة. لكن رغم ذلك يُمكن هذا الأمر أن يتسبب بتدهور غير مقصود. كيف ترى الأوساط البحثية الأميركية نفسها العمليات الجوية التي تنفذها إسرائيل ضد “حزب الله” داخل سوريا؟
تفيد معلوماتها أن طيرانها الحربي استهدف الشهر الماضي شحنات أسلحة لـ”حزب الله” في لبنان. وبلغ عدد ضرباته أربعاً بين 30 تشرين الأول والأسبوع الأخير من تشرين الثاني. وسقط ضحية الأخيرة عميد الأسرى اللبنانيين في إسرائيل سمير القنطار. ولم ينف أحد من السوريين والروس التقارير عن الضربات المذكورة، كما استمر الحديث عن عدم توقّف إرسال الأسلحة إلى الحزب. وقد أكد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أخيراً أن بلاده تقوم بعمليات على الجانب الآخر من حدودها مع سوريا بقوله: “نحن نعمل في سوريا بين وقت وآخر لمنع تحولها جبهة أخرى مفتوحة ضدنا، ونعمل أيضاً لمنع نقل الأسلحة الفتّاكة منها إلى لبنان”.
وتستنتج الأوساط البحثية نفسها من ذلك أن الوجود العسكري الروسي في سوريا لم يحدّ من قدرة إسرائيل على استهداف الأسلحة الإيرانية المرسلة إلى الحزب، وأن موسكو لا تبدو مهتمة كثيراً بتضخُّم ترسانته العسكرية. وقد عبّر عن ذلك وزير الدفاع موشي يعالون بالقول: “إن عدم تدخّل الروس في عمل طيراننا الحربي داخل سوريا وتصرّفهم على نحو غير مناقض لمصالحنا أمران جيّدان”. وحتى الرئيس الروسي بوتين قال أخيراً: “نحن مرتاحون الى طريقة تطوّر علاقاتنا الثنائية مع إسرائيل. ويبدو أن آلية التنسيق بين عسكريينا وعسكرييها تُنفَّذ على نحو جيّد”.
هل يعني ذلك أن الاصطدام المتعمّد أو غير المتعمّد بين روسيا وإسرائيل في سوريا مستبعد؟
تجيب الأوساط البحثية نفسها بالدعوة إلى ضرورة تيقُّظ الدولتين لأن التطورات السورية التي قد تحصل تهدد علاقتهما بالتوتّر. فبعد إسقاط السوخوي على الحدود التركية، نشرت روسيا نظاماً دفاعياً متطوراً في منطقة اللاذقية، يغطي قسماً مهماً من أجواء إسرائيل. طبعاً لا تهدد موسكو باستعماله ضد طائراتها، فضلاً عن أن “الخط الساخن” بين الدولتين يمنع ارتكاب أي خطأ. لكن رغم ذلك، على القيادات العسكرية في كل منهما أن تبقى متأهّبة، وعلى سلاح الجو الإسرائيلي أن يكون شفافاً في عملياته السورية.
وتضيف الأوساط نفسها أن تضخم الوجود الروسي في وسط سوريا قد يحدّ من حرية عمل إسرائيل في المنطقة نفسها، وأن حاجة سوريا وإيران إلى إرسال أسلحة إلى “حزب الله” قد تزداد، وذلك يُربك إسرائيل. فهي لا تستطيع السكوت عنه، ولا تستطيع المغامرة بالاصطدام مع روسيا، وإن من طريق الخطأ. علماً أن تصاعد التوتر بينها وبين الحزب على حدودها الشمالية لا بد أن يعقّد تنسيقها مع روسيا.
في اختصار، هي ترى أمرين قد يتحديان هذا التنسيق. الأول هدف إيران و”حزب الله” توسيع نفوذهما ليشمل مرتفعات الجولان، والثاني ميل صنّاع السياسة الإسرائيليين إلى التقليل من التعمّق المطّرد للعلاقة بين روسيا وإيران و”حزبها”.
انطلاقاً من ذلك، تعتقد الأوساط البحثية الأميركية أن على إسرائيل أولاً أن تقوّي آلية تنسيقها مع روسيا. وثانياً أن تُبقي استخباراتها متيقّظة. وثالثاً أن تُحافظ على اتصالها الوثيق بشريكها الأميركي وتشاوره في كل هذه الأمور. ورابعاً أن تلاحظ أن تنسيقها مع روسيا منذ تدخلها في سوريا كان تكتياً ولا يؤشّر لاصطفاف معها. ويجب أن تلاحظ أنها وروسيا ليستا شريكين متساويين، إذ في اللحظة التي تؤذي إسرائيل المصالح الروسية فإن حريتها النسبية في العمليات داخل سوريا ستضعف على نحو كبير.