أعاد إقرار مرسومي النفط في مجلس الوزراء ضخ «الوقود» في عروق «الحلم البترولي» الذي يساور الكثير من اللبنانيين، منذ ان بدأ الكلام حول اكتشافات ضخمة من الغاز والنفط في باطن البحر، وإن يكن البعض يخشى من ان يتحول هذا الحلم الى كابوس، على طريقة الطبقة السياسية في هدر الفرص وتقاسم الحصص… حتى لو كانت لا تزال حتى الآن، مجرد سمك في بحر، على عمق يترواح بين ألفي وسبعة ألاف متر تحت المياه!
ولكن التحديات التي تواجه الثروة الطبيعية اللبنانية لا تنحصر فقط في مخاطر الفساد التي يجب التحسب لها، من خلال اعتماد أعلى درجات الشفافية والرقابة، بل ان التهديد يأتي ايضا من جانب العدو الاسرائيلي الذي تقع بعض حقوله النفطية على تماس مباشر مع البلوكات اللبنانية الجنوبية 8 و 9 و 10.
ولعل ما ينبغي التنبيه اليه، في هذا الاطار، هو ان الكيان الاسرائيلي ضمّ قبل مدة جزءا حيويا من المنطقة البحرية الغنية بالموارد، والمتنازع عليها مع لبنان، الى المياه الفلسطينية المحتلة، ثم قسّمه الى ثلاثة بلوكات، ما يعني ان السيادة الوطنية انتهكت وان قسما من البحر اللبناني في أقصى الجنوب أصبح تحت الاحتلال الاسرائيلي.
وفي المعلومات، ان اسرائيل ستباشر، مع حلول تموز 2018 ، في استخراج الغاز من حقل كاريش الذي يبعد ما بين 3 و 4 كليومترات فقط عن الحدود مع لبنان، بعدما وقعت اتفاقا لهذا الغرض مع شركة يونانية، ما يشكل خطرا على المخزون النفطي الكامن في البلوكات اللبنانية المحاذية، والذي قد يجري «شفط» كميات منه، بفعل قربه الجغرافي من «كاريش».
وبهذا المعنى، فان مواجهة الامر الواقع الذي يحاول العدو الاسرائيلي فرضه، تستدعي من لبنان الاسراع في تعويض الوقت الضائع الذي خسره خلال المرحلة السابقة، بفعل المماطلة المتمادية في اقرار المرسومين النفطيين على مدى أكثر من ثلاث سنوات، وما رتبه ذلك من ضمور في الملف النفطي وانكفاء لبعض الشركات الدولية التي كانت متحمسة لسبر أغوار الأعماق اللبنانية.
وفي هذا السياق، يؤكد الرئيس نبيه بري لـ «الديار» ان إقرار مجلس الوزراء للمرسومين النفطيين، على أهميته، ليس سوى بداية في مسار طويل، مشيرا الى ان مجلس النواب سيبادر الى تأدية دوره في اصدار قانون الضرائب البترولية على ربح الشركات، فور إحالته من الحكومة.
وينفي بري بشدة ان تكون هناك صفقة او محاصصة خلف حسم مسألة المرسومين اللذين خضعا طويلا الى الدراسة، وكنا نشكو من تداعيات استمرار تجميدهما في الأدراج منذ سنوات، فيما نحن نخوض سباقا نفطيا محموما مع العدو الاسرائيلي الذي يحاول اقتناص كل فرصة لقضم ثروتنا ومصادرة حقوقنا.
ويقول خبير نفطي لـ «الديار» ان تحصين القطاع البترولي الناشئ في لبنان يستوجب إنجاز سلة متكاملة من الاجراءات تتضمن: إنشاء الصندوق السيادي، وضع قانون الضرائب البترولية، إقرار مشروع قانون مكافحة الفساد المقترح من النائب جوزف معلوف.
ويلفت الخبير الانتباه الى ان هناك ورشة عمل قائمة بين وزارتي الطاقة والمال وهيئة إدارة قطاع البترول في شأن الصندوق السيادي، معتبرا انه ينبغي الاستفادة من لحظة التوافق الوطني وزخمها لإنشاء الصندوق قريبا، على ان تصدر مراسيمه التطبيقية لاحقا.
ويتوقع الخبير إطلاق المزايدة لتلزيم الشركات بعد إقرار القانون الضريبي، موضحا ان هناك شركات قررت الانسحاب من المنافسة وأخرى أكدت المشاركة، كما توجد واحدة كانت قد انسحبت ثم عادت بعدما لمست ان الدولة بدأت تبدي جدية في التعاطي مع هذا الملف.
ويحذر الخبير من ان المخزون اللبناني من الغاز والنفط لا يزال يواجه خطرا اسرائيليا يتمثل في ضم قسم من المنطقة البحرية المتنازع عليها والتي أصبحت بحكم المحتلة وفق توصيف وزير الطاقة سيزار ابي خليل، وفي استعداد العدو لبدء انتاج الغاز واستخراجه من حقل كاريش، ما يستدعي من الدولة اللبنانية تفعيل وتيرة عملها، لإتمام رزمة الاجراءات القانونية والتنظيمية التي من شأنها اطلاق ورشة الاستكشاف والانتاج، وبالتالي حماية ثروتنا الطبيعية من كل أنواع التهديدات.