منذ 40 سنة، قام رئيس الموساد الإسرائيلي بزيارة كردستان واجتمع بقادة الاكراد بعد مفاوضات سبقت زيارة رئيس الموساد، وذلك لاقامة علاقات مباشرة بين إسرائيل والاكراد. واثر ذلك، قام رئيس إقليم كردستان البارازاني بزيارة إسرائيل، وتعززت العلاقة، فقام الجيش الإسرائيلي بتدريب جيش البشماركة وابتعد عن حزب العمال الكردي مراعاة لتركيا، بينما سوريا دعمت حزب العمال الكردستاني وكاد ذلك يؤدي الى حرب بين تركيا وسوريا.
الاستفتاء الذي جرى مؤخرا في كردستان دعمته إسرائيل بكل قوتها، ورغم تدخل الدول الكبرى وبخاصة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن لتأجيل الاستفتاء، فان رئيس الإقليم البارازاني اصر على اجراء الاستفتاء، وهذا ما حصل رغم قرار الحكومة الاتحادية في العراق برئاسة العبادي، باعتبار الاستفتاء غير شرعي وغير قائم ولا تعترف بنتائجه.
لكن إسرائيل وعدت كردستان بأنها ستستعمل اللوبي الصهيوني ونفوذها في كل العالم لحماية استقلال كردستان وانها مع الوقت ستجعل الدول الأوروبية والولايات المتحدة تتحول تدريجيا الى التعاطي مع كردستان والقبول بالامر الواقع.
وبدأت إسرائيل فعلا بالاتصال بالدول الأوروبية والولايات المتحدة. وظهر ذلك في الاعلام المسيطر عليه النفوذ الصهيوني بالدعوات لاستقلال كردستان على أساس ان الاكراد ليسوا عربا بل هم عرق مستقل عن العروبة، وعرق له قوميته ولغته وتاريخه الخاص.
وتستفيد إسرائيل من قيام دولة عرقية مثل كردستان لتؤكد ان إقامة إسرائيل على أساس ديني عرقي هو مبرر في منطقة الشرق الأوسط اثر قيام كردستان وربما دول أخرى على أساس ديني او عرقي.
وحدة العراق تأثرت بإعلان كردستان استقلالها اثر الاستفتاء، واذا كان الاكراد هم عرقاً فان السنّة والشيعة في العراق تجمع بينهما القومية العربية وتاريخ واحد، لكن نفوذ الحشد الشعبي الشيعي وعدم احترامه للمكوّن السنّي في العراق مع بعض التجاوزات التي حصلت ضد مدن سنيّة، كانت حضنت داعش وأدّت الى شرخ في العلاقة السنيّة – الشيعية في العراق.
ولا بد من «شراكة» حقيقية بين السنّة والشيعة في العراق لانهم شعب واحد ينتمون الى قومية عربية واحدة، ويلعب المكوّن السني والشيعي معاً دورا في الشراكة والمواطنة ونهضة العراق وإعادة اعماره.
وكي تواجه الحكومة الاتحادية العراقية اعلان استقلال كردستان لا بد من اتفاق سني – شيعي يقوم على المواطنة وعلى الشراكة بين المكوّن السني والشيعي لانه من قومية عربية واحدة بينما الاكراد من عرق اخر. لكن العراق بوحدته السنية – لشيعية قادر على محاصرة كردستان والمحاولة الاسرائيلية لزرع دولة عرقية في العراق وتقسيمه سيسقط امام اتحاد العراقيين سنة وشيعة ومسيحيين، لانهم الأقوى ولانهم يشكلون الدولة العراقية الحقيقية.
ونعود الى زيارة رئيس الموساد الإسرائيلي الذي بحث مع القادة الاكراد في نقل الاكراد اليهود من كردستان الى إسرائيل، وكان عددهم 130 الف كردي يهودي فوافق الاكراد على ذلك، وحصل يومذاك انتقال 130 الف كردي يهودي الى إسرائيل، والذي اصبح عددهم الان يوازي 170 الف كردي يهودي داخل فلسطين المحتلة ومع الدولة الإسرائيلية. وهم يؤثرون في الرأي والموقف الإسرائيلي.
لكن كردستان تبقى محاصرة من الحكومة الاتحادية في العراق، ذلك ان الاكراد الذين عددهم 10 ملايين كردي في العراق ويشكلون نسبة 10 الى 15 في المئة من عدد السكان، لا يستطيعون مواجهة بقية الشعب العراقي، لان القومية العربية في العراق هي اقوى من الاكراد الذين يجمعهم عرق واحد، والاكراد خسروا كثيرا في انفصالهم عن العراق الموحد، فخسروا العاصمة الرئيسية بغداد واذا كانوا يعتقدون ان أربيل عاصمة إقليم كردستان هي مدينة هامة وكبرى فأربيل عاصمة كردستان لا تشكل شيئاً بالنسبة الى العاصمة بغداد صاحبة التاريخ الكبير والعظيم في تاريخ العرب والعروبة والحكم في المشرق العربي والعالم العربي، حتى ان بغداد كانت تسيطر على منطقة عربية كبيرة. وهكذا خسر الاتراك وجودهم في بغداد وفي بقية العراق، ولهم مصالح كبيرة في بغداد والعراق ولهم أملاك ولهم وجود شركات ووجود كردي داخل العراق وخارج كردستان. وقد خسر الاكراد وجودهم هناك. كذلك خسروا شركاتهم المالية ووجودهم وممتلكاتهم واراضيهم، وخسروا مراكزهم داخل المجلس النيابي العراقي وداخل الحكومة العراقية الاتحادية وخسروا أيضا التعامل بالدينار العراقي وكردستان غير قادرة على انشاء عملة جديدة بديلة عن الدينار العراقي، ولا هي قادرة على تصدير نفطها بوجود ايران المعادية للاستفتاء الكردي والتي تعاديه أيضا كي لا يتحرك الاكراد في ايران، كذلك هنالك العدو الأول للاكراد وهي تركيا والتي ستقطع امدادات النفط من العبور عبر تركيا لتصديرها الى الخارج. إضافة الى محاصرة كردستان عبر المعابر الحدودية سواء على حدود ايران ام على حدود تركيا ام على الحدود مع العراق العربي بمساحاته الواسعة وامكاناته وطاقاته وجيشه وعلاقاته الإقليمية الهامة، سواء داخل العالم العربي ام مع تركيا وبخاصة مع ايران.
ان كردستان لن تستطيع بناء دولة حقيقية بل ستكون كياناً عرقياً وستفشل خطة إسرائيل في إقامة الدولة الكردية، ذلك ان إسرائيل لا تستطيع ان تفعل شيئا بوجود ايران وتركيا والعراق وهم يحاصرون كردستان من كل الجهات. كما ان الاستثمارات في كردستان التي ازدهرت خلال العشر سنوات الماضية ستصاب بشلل كبير نتيجة الصراع بين العراق المتحد العربي وبين العرق الكردي الذي أراد الانفصال عن العراق وإقامة دولة له، فازدهرت كردستان لكن هذا الازدهار بدأ يتراجع وسيتراجع اكثر لان كردستان أصبحت منطقة توتر ومنطقة محاصرة والمستثمرون لن يستثمروا في منطقة توتر وفي كردستان غير المعروف مستقبلها.
ارتكب الاكراد خطأ تاريخياً وكبيراً بخروجهم من وحدة العراق، وسيضعف الاقتصاد الكردي ويعود الفقر الى الاكراد بعدما حققوا ثروات كبيرة في كردستان واربيل وسليمانية ومناطق كثيرة من كردستان. وجاء مستثمرون من كل العالم اليها وكادت تصبح مثل دبي، لكن الان خسر الاكراد فرصة ان يكونوا جزءا من العراق الاتحادي وان يكون لهم دور هام وان يحافظوا على ازدهار كردستان واتكلوا على إسرائيل حيث يريدون إقامة علاقات مباشرة معها والاعتراف بدولة إسرائيل، وإقامة علاقات ديبلوماسية بين إسرائيل وكردستان، لكن كل ذلك يشكل أخطاء مميتة للاكراد والجيش العراقي والحشد الشعبي لن يقبلا سيطرة الاكراد على المناطق المتنازع عليها بين الاكراد والعرب والجيش العراقي والحشد الشعبي اقوى بكثير من البشماركة، واذا كان الجميع يدعون الان الى عدم نشوء حرب بين العراق الاتحادي وبين كردستان فانه مع الوقت لا يستطيع احد ردع الجيش العراقي والحشد الشعبي عن استعادة المناطق اثناء الحرب مع داعش واستغلت كردستان، الحرب مع داعش لتعلن استقلالها والسيطرة على مناطق عربية متنازع عليها، وطرد العرب وسيطرة الاكراد على هذه المناطق، لكن ما ان ينتهي الجيش العراقي والحشد الشعبي من الحرب مع داعش فانهم سيكونون في مواجهة الاكراد والبشماركة ولن يقبلوا سيطرة الاكراد على هذه المناطق وطرد العرب منها، والاكراد خاسرون وإسرائيل معهم.