يوم الإثنين الماضي وصل نتنياهو في زيارة هي الرقم 11 لروسيا خلال عامين ونصف العام. الزيارة بدأت بصورة نشرتها موسكو، ويقول الإعلام الإسرائيلي أنّ نشرَها كان مقصوداً وينطوي على رسالة. قبيل دخول الوفد الإسرائيلي الى مكتب الرئيس فلاديمير بوتين، جمعت الصورة رئيس شعبة جهاز «أمان»، والملحق العسكري بسفارة إسرائيل في روسيا مع وزير الدفاع الروسي وهما يُطلعانه على صورة جرى الإيحاء الى أنها لموقع إيراني لصناعة «الصواريخ الدقيقة» قيد الإنشاء في لبنان.
تقصّد نتنياهو أن يرتّب جدول أعمال زيارته ومحادثاته مع بوتين، بحيث يحتلّ هاجس إسرائيل من تعزيز إيران تموضعها في سوريا ولبنان، صدارة النقاش.
وبالتزامن مع هذه الزيارة اعلن وزير الامن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان أنّ بيروت تلزّم حقل غاز تعود ملكيّته لإسرائيل، وفي الوقت نفسه تقريباً، رفضت إسرائيل رسالة وصلتها عبر «اليونيفيل» من «حزب الله» بأنه سيطلق النار على عمّال بناء الجدار الحدودي إذا استمرّ العمل فيه، وردّت أنها ستستمرّ في بناء الجدار، وستردّ بعنف على أيِّ نار يطلقها الحزب.
مسلسل رسائل التهديدات الإسرائيلية للبنان وردّ «حزب الله» عليها، انعكس توتّراً على سكان المستوطنات الحدودية، وقد اشتكى مستوطنو مدينة كريات شمونة من بلديّتهم، لأنها تتأخّر في بناء الغرف المحصَّنة الآمنة.
وخلال الأسبوعين المنصرمين سادت حال من التوتر المرتفع المنسوب طرفَي الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، ولم يتنبّه اليها الداخل اللبناني المنشغل بتفاقم تداعيات الأزمة بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر».
والسؤال المطروح إزاء كل هذه التطوّرات، يدور حول ما إذا كانت إسرائيل، على حدِّ ما سأل الصحافي الإسرائيلي اليكسي فيستمان، تقترب من «الذهاب الى حرب اختيارية ضد لبنان»، وذلك على جبهتي «الغاز» و«التموضع الإيراني البالستي» فيه، بحسب ادّعائها.
تقديرُ الموقف كما تراه أجواء متابعة لهذا الملف في بيروت، يرى أنّ نتنياهو يتسلّق شجرة الحرب على لبنان، ويحاول أن يفاوض موسكو من فوقها. ويضع نتنياهو حزمة أهداف ضمن تهديده بخوضها، أبرزها هدف ترتيبات أمن الغاز في المشرق المعنيّة موسكو به، وذلك إنطلاقاً من تمسّكها بإستراتيجية حماية بقائها المصدر الرقم واحد للغاز الى أوروبا.
تحاول إسرائيل الإبلاغ الى موسكو أنّ أمن استراتيجيات الغاز وخطوط تصديره من المنطقة الى العالم، هو منظومة واحدة، وأنّ ترتيباته تحتاج الى ضمانات متقابلة.
وضمن هذا الطرح تُبرِز إسرائيل عاملَ امتلاك «حزب الله» صواريخ أرض – بحر التي استخدم عيّنة منها بنجاح في حرب تموز 2006، كأحد الأمور التي تحتاج الى ضمان مستعجل في شأنه، نظراً لأنّ إسرائيل أنجزت 35 في المئة من مشروع منصّة التنقيب عن الغاز في حقل «لفيتان»، وشارفت على الانتهاء من بناء الانبوب الذي سينقل الغاز الطبيعي من المنصّة الى «الشواطئ الإسرائيلية» قرب مدينة حيفا على عمق 80 متراً من سطح الماء.
سيُعقد اجتماع لوزراء الطاقة الأوروبيين في نيسان المقبل في بلغاريا، وهذه الاخيرة يشغل وزيرالطاقة فيها رئيس منتدى الطاقة الأوروبيين. وترغب بلغاريا في شراء الغاز الإسرائيلي، وهي تخطط لمدّ انبوب جديد بالتعاون مع اليونان لوصلها بالأنبوب الإسرائيلي.
وهذا المشروع الساعي الى إيصال الغاز الإسرائيلي الى اوروبا، يشكّل نقطة اشتباك مع روسيا الحريصة على احتكارها سلعة تدفئة أوروبا. ونتنياهو تقصّد في لقائه مع بوتين الاثنين الماضي، أن يجعل ملفّ الخلاف مع لبنان حول صواريخ إيران فيه وحول ملكيّة حقل الغاز اللبناني المُلزَّم، نقطة مثارة داخل غرفة اجتماعهما وايضاً داخل سجال لبناني إسرائيلي علني بادر ليبرمان الى فتحه.
تفاضل إسرائيل في هذه اللحظة بين خيارات عدة على مستوى رسم استراتيجية تعاطيها حول صلة غازها بالوضع اللبناني سواءٌ على المستوى الأمني أو على مستوى طريقة تقاسم إيرادات إنتاج حقول غازها المشتركة مع لبنان. أحد هذه الخيارات، هو مقايضة تفاهمها مع موسكو حول تصدير الغاز الإسرائيلي الى أوروبا، بتدخّل موسكو للحصول على ضمانات بأنّ أمن حقل «لفيتان» ومنصّة التنقيب خاصته في حيفا، لن تتعرّض لتهديد صواريخ «حزب الله».
وواضحٌ من توقيت تصريح ليبرمان أنّ هدف تل أبيب هو إنشاء خط تماس طاقة متوتر مع لبنان، بدأت أرهاصاته بإعلان إسرائيل المضمر بأنها لن تسمح بحصول تنقيب سلس في البلوك 9، إلّا اذا حصلت على ضمانات لأمن حقل «لفيتان» ومنصة التنقيب فيه. فتصريحُ ليبرمان يعني لشركات التنقيب في البلوك 9، أنها ستعمل في منطقة متنازَع عليها، ومجرّد هذه الرسالة ستجعلها تواجه، على أقلّ تقدير، مشكلات مع شركات التأمين.
في إسرائيل يصفون مسلسل التهديدات الإسرائيلي بالحرب على لبنان، كما تجسَّد هذا الاسبوع انطلاقاً من موسكو التي زارها نتيناهو وصولاً الى تراشق التهديدات مع الحزب حول الجدار وحول تلزيم لبنان حقلَه الغازي، بأنها تمهّد لدخول تل ابيب في أحدٍ من مسارَين: إما «مبادرة حرب» تغني عن حدوث حرب فعلية على صلة بالغاز، وإما الوصول فعلياً الى الحرب.
وفي التفاصيل المتّصلة بهذين السيناريوهين تكشف مصادر متابعة أنه على رغم أنّ إسرائيل تفضّل إرسالَ غازها الى اوروبا، فإنّ ذلك سيضطرّها الى بناء انبوب في البحر بطول 2200 كلم، تبلغ كلفته 8 مليارات دولار، ويحتاج الى حماية من تهديد صواريخ «حزب الله» التي تستطيع ضربَ المنشآت الإسرائيلية النفطية على الساحل الفلسطيني.
وهذا يضع إسرائيل امام احتمالين، إما الدخول في حرب لإلغاء تهديد صواريخ «حزب الله»، أو التعايش مع هذا الخطر. ولكنّ زيارة نتنياهو لروسيا تشي باحتمالٍ آخر، وهو إبرام مقايضة بين موسكو وتل ابيب تضمن لروسيا استمرارَ تفاهم إسرائيل معها لجعل غازها غير منافس للغاز الروسي في أوروبا، في مقابل ضمانات روسية بجعل التنسيق العسكري والأمني الإسرائيلي القائم بينهما في سوريا منسحباً على لبنان، بما يحقّق غطاءً روسياً لإدارة أزمة مصالح إسرائيل فيه. لكن يبقى خيارٌ آخر أقلّ كلفة ويحتاج الى ضمانات أمنيّة ممكنة، وقوامه تصدير إسرائيل غازها الى الأسواق الآسيوية.