بات الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والغرب شبه محسوم، الأمر الذي يُشعر إسرائيل بالخطر بل يجعلها محاصرة بما سينتجه هذا الاتفاق من تكريس لنفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط وتحسين وضعيّة المجموعات المُعادية لإسرائيل المنتشرة على حدودها من كل الجهات.
لذلك اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الاتفاق «خطأ تاريخياً»، داعياً المعارضة إلى الوحدة لمواجهة الشأن المصيري جداً بالنسبة لمستقبل إسرائيل وأمنها.
حتماً تلقّت الحكومة الاسرائيلية تطمينات من الولايات المتحدة الأميركية بأنّ الاتفاق يضع حداً لطموحات إيران النووية، لكنّ ذلك لا ينفي انّ الدولة الفارسية بعد الاتفاق النووي هي غير ما قبله، إذ تعزّزت مكانتها الإقليمية والدولية من خلال الاعتراف بها كقوة اقليمية.
وبالتالي، بدأ الغرب برفع العقوبات الإقتصادية عنها تدريجاً، ما يمكّنها من زيادة قدراتها المالية وتنفيذ طموحاتها الإقليمية من خلال تمويل «ماكينة الإرهاب والتمدد في الشرق الأوسط والعالم». أمام هذا الواقع المحسوم، انشغلت السلطات الاسرائيلية في البحث عن خيارات مواجهة إيران في المرحلة المقبلة بعيداً من الغضب والارتباك والإحباط.
تبدأ الأولوية لإسرائيل باستعادة التعاون الاستراتيجي والعلاقة الحميمة مع الولايات المتحدة، وتنشيط قدرات استخباراتها ودبلوماسيتها كي تضمن تطبيق نظام التفتيش النووي. مع ذلك، تقرّ اسرائيل بأنّ الأمر ليس سهلاً في مواجهة الدبلوماسيّة الإيرانية التي نجحت في التوصّل إلى اتفاق مع الغرب مع وجود بنود تُفسّر على عدة وجوه وتُتيح للإيرانيين الغش والتهرّب، علماً أنّ الاتفاق لا يحول دون حيازة إيران للسلاح النووي مستقبلاً.
القلق يساور الإسرائيليين المحاصرين أمنياً بتهديدات جديّة من كل الجهات، فالحدود مع سوريا متوترة جداً بفِعل وجود مُعاد لها في مرتفعات الجولان سواء من ايران وحرسها الثوري وحليفها الاستراتيجي «حزب الله» أو بفِعل انتشار الفصائل الاسلامية المعارضة، ومنها تنظيم الدولة الاسلامية و«جبهة النصرة».
وقد شهدت هذه الجبهة اشتباكات وعمليات أمنية بين اسرائيل وكلا الطرفين المتصارعين في محطات عدة، ومن البديهي أن يكون الوضع مرشّحاً لمزيد من الهجمات على اسرائيل وإمكانية أكبر للتصعيد في المستقبل.
ولا يريح اسرائيل تعاظم قوة «حزب الله» العسكرية على طول الحدود اللبنانية الاسرائيلية، وهذه الجبهة مرشّحة دائماً للمعارك والحروب واستهداف شمال اسرائيل بالصواريخ. وبإمكان إيران، المرتاحة إقليمياً ودولياً والمطمئنة اقتصادياً، أن تدفع «حزب الله» إلى توجيه ضربات موجعة لإسرائيل.
حدود اسرائيل مع غزة ومصر ما زالت قابلة للاشتعال.
صحيح انه بعد ثلاث حروب كبيرة في السنوات الأخيرة بين حماس واسرائيل، لا يبدو سكان غزة متحمسين لتجدد القتال. مع ذلك من المحتمل إطلاق الصواريخ، وسيزداد الضغط الشعبي على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحالة الشاذة.
واحتمال التصعيد ليس قليلاً إذا عزّزت ايران تعاونها مع حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين، كما انه لا يجوز إغفال تنامي قوة الاسلاميين المتطرفين في سيناء ما يجعل الحوادث الحدودية مع مصر في تزايد مستمر.
وفي ظلّ العداء الإسرائيلي الأساسي حيال ايران، والتقاء المصالح مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، من المستبعد أن يؤدي ذلك إلى تعاون بين الإسرائليين والخليجيين لمواجهة الخطر الفارسي. أما العلاقات الاسرائيلية التركية فلن تكون أفضل طالما انّ الرئيس رجب طيب اردوغان باق في السلطة وهو يسعى إلى علاقات وثيقة مع إيران لا اسرائيل.
أمّا احتمالات توصّل اسرائيل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية التي يمثّلها الرئيس محمود عباس، فتبدو قاتمة بالفعل، بل انها تتضاءل في ظلّ تنامي قوة التنظيمات العسكرية الفلسطينية المعارضة لأيّ اتفاق مع الدولة اليهودية والمدعومة من ايران المنتصرة بفِعل الاتفاق النووي.
ولعلّ أكبر الخسائر التي مُنيت بها اسرائيل نتيجة الاتفاق النووي مع إيران، تتمثّل بتقويض أكبر مشروع نجحت اسرائيل في تنفيذه لأكثر من 5 أعوام، وهو شيطنة الحكومة الايرانية وجعل ايران التهديد الأول للمنطقة والعالم، فجاء اتفاق الغرب معها ليغيّر صورتها ويجعل الدول الغربية تتسابَق لنسج علاقات دبلوماسية وتجارية معها. وبات على اسرائيل تغيير استراتيجيتها لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المُنافِسة الأولى لها إقليمياً.