عانت اسرائيل منذ قيامها من عقدة كونها نقطة في بحر من الشعوب العربية المعادية لها. ومن ان تفوّقها العسكري لا يعني شيئا في مواجهة محيط كاره لها ولسياساتها التوسعية واغتصابها لأرض فلسطين وتشريد شعبها والتنكيل به. وكان في صلب مخططها العسكري، ليس فقط منع قيام أية وحدة بين الأنظمة العربية، وانما أيضا وأولا، تفكيك المجتمعات العربية وضرب مصادر القوة فيها. وفي المقابل لم تكن لدى العرب أية رؤية موحّدة لمواجهة هذا الخطر الذي يهدّد وجودهم القومي. وحتى عندما كان القادة العرب يعلنون عن تمسّكهم بالتضامن العربي، كان تضامنهم هذا صوريا، بينما كانت كل دولة عربية أو مجموعة منها تعمل على خط معاكس أو منافس أو معاد لدولة أو لمجموعة دول عربية أخرى. وانتهى الأمر الى ما نراه اليوم من تفكك وتشتت وتضارب بين العرب أنفسهم. والخطأ الفاحش الذي ارتكبه العرب على المستوى القومي انهم لم يضعوا دراسة استراتيجية موحّدة حول نقاط القوة والضعف للدولة والمجتمع الاسرائيلي، وكيفية مواجهتها عسكريا والنفاذ اليها من نقاط ضعفها والعمل على تفجيرها من الداخل، كما تفعل اسرائيل وفعلت فعلا مع العرب!
***
منظمة ناطوري كارتا أو حرّاس المدينة اليهودية تؤمن ايمانا دينيا عميقا بأن قيام اسرائيل الصهيونية هو هرطقة دينية، وتؤمن بوجوب زوالها. ومع ذلك لم تحظ هذه المنظمة بأي اهتمام عربي، ربما باستثناء مبادرة من ياسر عرفات. وكان قادة هذه المنظمة قد اعترفوا بعرفات وأحقيّة نضاله بتحرير فلسطين من البحر الى النهر واستعداد اليهود للعيش فيها كمواطنين. وردّ عرفات بتعيين أحد قادتهم وزيرا في حكومته الفلسطينية، ولكن لا شيء أكثر من هذا. وكانت هذه المنظمة تصلح كقاعدة جسر للعرب لينفذوا من خلالها الى الداخل الاسرائيلي، وضمّ الجهود لضرب الكيان الاسرائيلي، وهو هدف مشترك لناطوري كارتا والفلسطينيين والعرب! والثغرة الأهم في اسرائيل هي معاناتها من أزمة الهوية التي تتصل بتكوينها كخليط عرقي متعدّد، في حين ان اليهودية عقيدة دينية وليست قومية. وقد أطلق بن غوريون دعوة الانصهار القومي وفشل في تحقيقها هو وخلفاؤه من بعده والى يومنا هذا.
***
المجتمع اليهودي خليط لأكثر من ٣٥ اتنية كما جاء في دراسات عديدة. ومنهم نحو مليوني نسمة من أصول أوروبية وأميركية. ونحو ٩٠٠ ألف من أصول سوفياتية وهي الأكبر في اسرائيل، و٥٠٠ ألف من أصل مغربي، و٣٠٠ ألف من أصل بولندي وروماني، و١٨٠ ألفا من أصل عراقي، و١٨٠ ألفا من أصل يمني، و٦٤ ألفا من اليهود الفلاشا من أصل افريقي، والباقي من أصول سورية ولبنانية وايرانية ومصرية. ويمثل اليهود الشرقيون السفارديم نحو نصف عدد اليهود في اسرائيل، ويمثل اليهود الغربيون الاشكناز النصف الآخر، ويمثل الطرفان حضارتين مختلفتين ومتضاربتين أحيانا. ويعرف الفلسطينيون ومن عاش بين اليهود انهم يبغضون بعضهم بعضا أكثر من كرههم للعرب. غير ان السياسات الماكرة للحكومات الاسرائيلية لجأت الى وسيلة خبيثة لامتصاص هذه الكراهية الداخلية عن طريق تضخيم الخطر العربي على اليهود جميعا، وانهم يكرهون اليهود الى درجة العمل على ابادتهم جميعا دون تفريق بين أشكناز وسفارديم!
***
يبدو ان العرب بدلا من ان يستثمروا في صراع الهوية داخل اسرائيل، استوردوا منها أزمة هوية للعرب، وبعضهم اختار الشقيق ليجعل منه عدوا، واختار العدو ليجعل منه شقيقا أو إبن عمّ على الأقل! والسؤال هو: هل فات الأوان لظهور وعي لدى قائد عربي يعمل على اعادة التضامن ولو بالحد الأدنى، ويدعو الى تصحيح المفاهيم القومية، ويوحّد العرب من جديد، على من هو العدو على الأقل الذي يهدّد المصير القومي حاضرا ومستقبلا؟!
وقع خطأ في عنوان مقال أمس، والصواب هو وفد يهودي وليس وفد اسرائيلي.