مما لا شك فيه ان الخسارة الديبلوماسية التي مُني بها الفلسطينيون على الصعيد الدولي برفض مجلس الأمن طرح اقتراحهم انهاء الاحتلال قد جعلت السلطة الفلسطينية في وضع حرج. لكن هذه الخسارة لا تخفف المأزق السياسي الذي تواجهه إسرائيل قبل أقل من ثلاثة اشهر من موعد الانتخابات العامة فيها.
ليس الفلسطينيون وحدهم امام نفق مسدود بل الإسرائيليون ايضاً الذين يجدون أنفسهم مرة اخرى مضطرين الى حسم خياراتهم السياسية والاختيار بين التوجه الذي تقترحه أحزاب اليمين القومي الداعي الى المحافظة على الوضع القائم وادارة النزاع مع الفلسطينيين من دون أي بحث في تسوية سياسية محتملة، ورؤية أحزاب الوسط التي تقترح العودة الى المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين من غير ان تقدم رؤية واضحة للحل السياسي المنتظر.
وعلى رغم كل الكلام الإسرائيلي بأن المشكلة الفلسطينية باتت هامشية بالنسبة الى العالم العربي الغارق في نزاعاته وحروبه الاهلية ومآسيه الانسانية، فانها تبقى اولاً واخيراً مشكلة إسرائيلية جوهرية، وليس في امكان قيادتها المستقبلية التهرب من مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لمدن الضفة ومصير المستوطنات اليهودية ومستقبل القدس.
لا ينفع كثيراً تذرع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بسيطرة الإسلام الراديكالي على اجزاء من سوريا والعراق للقول بأن أي انسحاب إسرائيلي من مناطق فلسطينية سيحوّلها بدورها امارة إسلامية؛ كما لا ينفع تهويله بخطر الإسلام الراديكالي على الدول الغربية، واستغلال فاجعة الهجوم الإرهابي في باريس لكبح التوجه الأوروبي الشامل الذي تقوده الحكومة الاشتراكية في باريس من أجل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. كما ان الضرب الإسرائيلي على وتر الارهاب الجهادي التحريضي لن ينجح في منع فرض دول أوروبية عقوبات اقتصادية على إسرائيل اذا واصلت احتلالها لمدن الضفة الغربية.
لا شيء مما يجري حالياً في الشرق الأوسط يمكن ان يغطي وحشية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لا تهاوي الانظمة القمعية العربية وفساد سياساتها الخارجية والداخلية والتاريخ الطويل للتدخل العسكري الاجنبي في شؤونها، ولا تحول المنطقة بؤرة للعنف الجهادي يغير حقيقة كون إسرائيل تتحكم بحياة أكثر من 4 ملايين فلسطيني من سكان الضفة والقطاع ومصيرهم.
تقف إسرائيل اليوم أمام مفترق طرق، والانتخابات المقبلة مصيرية لأنها قادرة على احداث تغيير نوعي اذا نجحت احزاب المعارضة الإسرائيلية التي تتنافس مع معسكر اليمين في طرح نفسها بديلاً قادراً على اخراج إسرائيل من نفق الجمود السياسي المسدود، وطرح رؤية سياسية للنزاع مع الفلسطينيين تقنع غالبية الإسرائيليين بانه من الممكن انهاء الاحتلال وضمان مصالح إسرائيل الامنية في آن واحد.