في نهاية العام الماضي، توعد زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي بتحويل فلسطين إلى «مقبرة لليهود»، في أول تهديد صريح وعلني من جانب أحد رؤوس «التنظيم» موجه ضد الإسرائيليين، رغم ان سلوك التنظيم المتحفظ تجاه إسرائيل طالما أثار الانتقاد ودفع البعض إلى اتهامه بالتعاون السري مع الموساد. امر يبدو انه تغير في ظل التقارير الاسرائيلية المتخوفة من ان تنقلب التسوية السورية التي يعمل عليها دوليا ضدها، محولة جهود التنظيمات المتطرفة ضدها ما اخرج الى الضوء الدعوات لضرورة اتخاذ الاجراءات الضرورية لمواجهة هكذا تطورات.
في هذا الاطار بدأت تبرز الدعوات ومن خلال تقارير العدو، الى انشاء وحدات خاصة داخل الجيش الاسرائيلي لمواجهة تهديدات الفصائل الجهادية الاسلامية من «داعش» واخواتها والتي باتت «تطوق» اسرائيل من كل الجبهات. وتحت هذا العنوان كتب الجنرال غال هيرش، الذي سبق أن قاد فرقة الجليل العسكرية وتولى قيادة عدد من الوحدات الخاصة، إن «مواجهة الجهاديين تتطلب وجود قادة يفكرون خارج الصندوق»، في مقال موسع نشرته كل من مجلة ISRAEL DEFENSE وصحيفة «ميكور ريشون»، إن «التحولات التي شهدها العالم العربي منذ تفجر ثورات الربيع العربي فاقم من خطورة «التهديد الجهادي» بسبب انتشار مناطق بدون سلطة حاكمة»، ما يوفر للجهاديين ملاذا وبيئة خصبة للعمل»، مشيرا إلى أن «هذه المناطق تنتشر في مصر ودول شمال أفريقيا وسوريا والعراق»، موضحا أن «إسرائيل محاطة بعدة طبقات من الخطر الجهادي»، مشيرا إلى أن «الطبقة الأولى تضم الجهاديين في سيناء وغزة وسوريا»، منوها بأن «الجهاديين في بقية مناطق العالم العربي يشكلون الطبقة الثانية، في حين يشكل الموجودون في العالم الإسلامي الطبقة الثالثة».
واعتبر غال أن «التحدي الذي يتوجب على إسرائيل مواجهته قبل تفعيل الوحدات الخاصة ضد الجهاديين هو الاستثمار في مجال جمع المعلومات الاستخبارية»، مشدداً على أن «طابع انتشار الجهاديين وطرق عملهم وتعدد تنظيماتهم يفرض التوسع في جمع المعلومات الاستخبارية من أجل توظيفها في عمل الوحدات الخاصة»، لافتا الى أن «المعلومات الاستخبارية يجب أن تشمل أدق التفاصيل، مثل طابع المنزل الذي يقيم فيه الجهادي ومواصفات نوافذ المنزل وغيرها من التفاصيل»، معتبرا أن توظيف الوحدات الخاصة مهم جدا في مواجهة الجهاديين لأنه يوفر «عنصر المفاجأة الحاسم في تحقيق أهداف العمليات» مشددا على «ضرورة أن تواجه الوحدات الخاصة الجهاديين في أماكن وجودهم، ما يستدعي نقلها بالجو أو البحر»، مشيرا إلى «أهمية الاستعانة بوحدة «شيلداغ» وهي الوحدة الخاصة لسلاح الجو، و«القوة 13» وهي الوحدة الخاصة لسلاح البحرية».
غال الذي استدرك ان مهمة إسرائيل في مواجهة الحركات الجهادية بالغة الصعوبة بسبب «الأيديولوجيا المتطرفة التي تفضي إلى تصميم أكبر وإصرار أشد على العمل ضد إسرائيل»، ذكر بالتقرير الذي سبق وصدر قبل عام في إسرائيل عن وزارة الدفاع الاسرائيلية، والذي وضعه قائد سلاح البحرية الأسبق يورام يعاري والمفكر الاستراتيجي يوسي يونا، الداعي إلى إعادة صياغة العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي لمواجهة «الخطر الجهادي»، وضمن ذلك تشكيل وحدات خاصة جديدة.
من جهته اشار ضابط الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق عاموس غلبوع في صحيفة «معاريف» أن المنطقة تشهد حروبا متلاحقة، وأن الصراعات المسلحة في العالم الإسلامي ستحدد طبيعة مستقبل الشرق الأوسط، لا سيما الصراعين الأكثر خطورة، وهما السني – الشيعي والسني الداخلي، وبناء على نتائج هذه الصراعات سيتم تصميم طبيعة ووجهة المنطقة سياسيا وثقافيا، راسما ملامح المنطقة التي ستشهد في رأيه مزيدا من الصراعات في سوريا واليمن، حيث تلعب دمشق نقطة الاستقطاب بين ايران التي تراها الاكثر اهمية لها ، والسعودية التي تركز على الملف اليمني لما يركزه من خطر على امنها القومي، فيما تقف في الخلفية بين الدولتين صراعات أخرى في لبنان والبحرين والعراق، ليخلص الى إن تل ابيب قلقة من هذه الصراعات الإقليمية، والنزاعات السنية – الشيعية، ومن تعاظم الإمبراطورية الإيرانية من جهة وتنامي قوة «المنظمات الإسلامية الجهادية السنية» من جهة أخرى.
اما ليئور أكرمان، المسؤول الإسرائيلي السابق في «الشاباك»، وأحد المتخصصين في مواجهة الإرهاب، ففي مقال له بصحيفة «معاريف»، قال إن الكلمة المفتاحية الأولى في مواجهة تنظيم الدولة تبدأ ببنك المعلومات، وإلى حين يجهز ما وصفها بعقيدة قتالية جديدة لمواجهة التنظيم، فإنه سيواصل ضرب العالم من دون استثناء، معتبرا أن هذا يتطلب إقامة جهاز تنسيق معلوماتي وتكنولوجي وعملياتي بين مختلف أجهزة الأمن التي يهددها تنظيم الدولة، بعد أن عاشت هذه الأجهزة سلسلة إخفاقات استخبارية في تشخيص وإحباط عمليات التنظيم في الأشهر الأخيرة بدءا بباريس، مرورا باسطنبول وصولا الى واشنطن.
ويضيف اكرمان ان مثل العمليات التي نفذها «تنظيم الدولة» في العواصم السابقة يسبقها تنسيق بين المستويات العملياتية ذات العلاقة في التنظيم، سواء عبر محادثات أفراده بالهاتف أو اجهزة الكومبيوتر، وهو ما يكشف العجز الذي يحيط بأجهزة الأمن الملاحقة للتنظيم، حيث يبقى المساعدون له بمنأى عن الملاحقة عقب تنفيذ التفجيرات، وكذلك البنية التحتية للتنظيم، أو مصادر السلاح، وصناع القرارات، وهو ما يمكن التنظيم من القيام بمبادرات عسكرية وعملياتية لتنفيذ العديد من الهجمات المعادية، خاتما بأن التجربة تثبت أن التحقيقات الأمنية هي أكثر الوسائل جدوى في إحباط عمليات التنظيم بحيث تجمع معلومات عن فروعه المنتشرة في أنحاء كثيرة من العالم، ومن يقف على رأسها، وقادة المناطق الميدانية، ومزودي السلاح، والمساعدين اللوجستيين، وكل ذلك يتطلب المزيد من الوقت والجهد والقوى البشرية.
ضمن هذا الاطار الاستباقي، فعلت اسرائيل من نشاطها الاستخباراتي ورفعت من درجت تعاونها مع التحالف الدولي ضد داعش، اذ اعلن رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال نيتسان آلون إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن «داعش» مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» عنه قوله إن تنظيم الدولة «عدو خطر»، وأكد أنه ورغم نجاحات التحالف الدولي في مواجهة التنظيم، فإنه لن يتم القضاء عليه قريبا، مشيرا إلى أن إسرائيل وإن كانت لا تتخذ موقفا واضحا مما يحصل في الحرب السورية، لكنها بالتأكيد تقف بجانب التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وتتقاسم مع دول التحالف المعلومات الاستخبارية.
نظريات تؤكدها التقارير الإخبارية الاسرائيلية، التي كشفت أن الجيش الإسرائيلي يجري استعدادات مكثفة لخوض حرب محتملة ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» والمعارضة المسلحة في سوريا على خلفية التقدم الحاصل في المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة لوقف إطلاق النار، اذ اورد موقع «ويللا» ان «تساحال» يدرس كل السيناريوهات المتوقعة، ومن بينها إمكانية إطلاق داعش صواريخ موجهة نحو إسرائيل وتسلل مسلحيه عبر حدودها، موضحا أن استعدادات تجري في تل ابيب على جميع المستويات لإمكانية تحقق هذا الاتفاق، سواء على صعيد المسار السياسي أو الأمني، بما في ذلك الجاهزية العسكرية للجيش الإسرائيلي الذي يتحسب لإمكانية أن يتجه مسار النيران للمنظمات الجهادية في سوريا نحو إسرائيل.
وفي هذا الإطار، أقام لواء غولاني للنخبة في الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة سلسلة تدريبات بهضبة الجولان والحدود مع لبنان للتدرب على منازلة مسلحي «تنظيم الدولة»، بحسب تقارير العدو، رغم التقديرات الاسرائيلية الحالية بان الحدود السورية منطقة مستقرة رغم الأحداث التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، فيما لا تبدو المنظمات «الجهادية» معنية حاليا بتحدي الجيش الإسرائيلي واستهداف اسرائيل، رغم أن قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن حفظ الأمن على حدود لبنان وسوريا تجري استعدادات للواقع الذي قد ينشأ في اليوم التالي لأي تطور داخل الأراضي السورية، مما دفع قائد المنطقة الجنرال أفيف كوخافي الى اقرار على خطة عسكرية بإجراء تدريبات عملياتية للوحدات النظامية.
وفي اطار الاستعدادات الدورية تقول تقارير العدو ان جنوداً في سلاح البحرية الإسرائيلية اجروا بالتعاون مع العشرات من ذوي الخبرة الطويلة في إنقاذ الرهائن في عمليات الاختطاف، بدورهم تدريبا بحريا واسعا قرب شواطئ مدينة إيلات الساحلية الجنوبية، هدف الى مواجهة سيناريو سيطرة «داعش» على سفينة إسرائيلية، في ضوء المخاوف التي تنتاب الإسرائيليين من فرع التنظيم في سيناء، حيث ركزت المناورة على سيناريو يتضمن إطلاق صواريخ وقذائف من الأراضي المصرية باتجاه مدينة إيلات، واختطاف سفينة مدنية إسرائيلية على أيدي مسلحي التنظيم.
ونقل عن ضابط إسرائيلي كبير شارك في التدريب بحسب تقرير اسرائيلي، أن المخاوف الإسرائيلية من «تنظيم الدولة» ازدادت حدة في السنوات الأخيرة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال شرائط الفيديو التي يصدرها التنظيم، وكذلك حادثة إسقاط الطائرة الروسية قبل أشهر، لذلك يجب أن يكون الرد الإسرائيلي سريعا في ضوء وجود أفراد من التنظيم يتحركون في جبهة القتال هذه، مضيفا أن سلاح البحرية متنبه جيدا لمثل هذه التهديدات، ولا سيما حول الشواطئ البحرية لإسرائيل، سواء قبالة شواطئ لبنان أو قطاع غزة، ومن بينها سيناريو تسلل مسلحين عبر الشواطئ، كاشفا عن ابلاغ كل من مصر والاردن بتلك التدريبات، حيث يجري معهما تعاونا مشتركا، رغم أن التدريبات كلها حصلت في المياه الإسرائيلية، ويشير تقرير العدو الى ان التدريب يأتي عقب تزايد سخونة الإنذارات الواصلة من خلايا تنظيم الدولة في سيناء، ورغم أن سلاح البحرية يجري تدريبات أسبوعية لمواجهة مثل هذه المخاطر، فقد قرر هذه المرة إجراء تدريب واسع النطاق، يشمل جميع القوات العسكرية ذات الصلة، بما فيها «شييطت 13»، بجانب مؤسسات نجمة داود الحمراء والدفاع المدني والشرطة والسلطات المحلية، وجميع الوحدات العسكرية المتخصصة.