Site icon IMLebanon

إسرائيل تختبئ خلف تسعة أمتار من الإسمنت

 

سياسة   مقالة   

 

بعد 12 عاماً من سباق الجاهزية، يجد جيش العدو الإسرائيلي نفسه أمام المزيد من التحديات التي فرضها تطور قدرات حزب الله وخياراته العملانية في مختلف ساحات المواجهة. إذ تكشف التقارير الإسرائيلية عن حجم تطور المنظومة الدفاعية لحزب الله، من منظور العدو، التي عمَّقت مخاوفه من مجرد التفكير بتكرار غزو الأراضي اللبنانية. وفي الخيارات الهجومية – الردعية، تحضر الصواريخ واستعداد مقاومي حزب الله لسيناريو اقتحام الجليل في أي حرب تفرضها إسرائيل على لبنان. وهذا القلق، انعكس في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيليين، وعلى المستوى الميداني، حيث تتواصل عمليات بناء وتعزيز الجُدُر على الحدود مع لبنان كجزء من خطة دفاعية يتبناها جيش العدو في مواجهة هذا التهديد.

ومع أن العدو يدرك أن كل إجراءاته الدفاعية على الحدود لن تستطيع الحؤول دون اقتحام مقاومي حزب الله منطقة الجليل، في لحظة الاختبار، إلا أنه يجد نفسه مضطراً إلى بناء ما يرى أنه قد يساهم في تعزيز العراقيل أمامهم، وأيضاً كجزء من محاولة طمأنة المستوطنين في الشمال الفلسطيني المحتل. ونتيجة التسليم بقدرات حزب الله وتصميمه، رأى وزير الأمن ورئيس أركان جيش العدو، السابق، موشيه يعلون، أول من أمس، أن «حزب الله لا يحتاج إلى الأنفاق للتوغل في الجليل»، ومع ذلك فهو لم يخرج ذلك من دائرة الخيارات الممكنة.

والاهم في هذا المشهد، أن اقتحام الجليل من قبل مقاومي حزب الله، لم يعد مجرد فرضية نظرية من ضمن مروحة فرضيات يتعامل معها جيش العدو، على قاعدة الاحتياط لأسوأ السيناريوات. بل حقيقة استطاع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن يزرعها في وعي المؤسستين السياسية والعسكرية، في تل أبيب، ثم تحوَّلت إلى هاجس يسكن وجدان القادة والمستوطنين، بفعل تطور الكفاءات القتالية للمقاومة، في ضوء مواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا.

حتى سنين مضت، كان كيان العدو يعمد إلى حماية «حدوده» و«عمقه» الاستراتيجي من خلال احتلال أراضٍ جديدة، وهو خيار انتهجه منذ ما بعد العام 1948. فإلى جانب الأبعاد التوسعية لحرب العام 1967، فقد كان من أهدافها أيضاً توسيع العمق الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي، والتموضع في «حدود آمنة» يستطيع من خلالها الدفاع والاعتداء من موقع يسمح بحماية العمق، فاحتل صحراء سيناء وصولاً إلى قناة السويس، والجولان الذي يتمتع بمزايا استراتيجية بالنسبة لكل من فلسطين وسوريا، والضفة الغربية وصولاً إلى نهر الأردن. والمفهوم نفسه انسحب على لبنان، إذ على رغم الهزيمة التي تلقاها جيش العدو على يد المقاومة بكافة فصائلها، بعد اجتياح العام 1982، واضطراره إلى الانسحاب عام 1985، بقي متمسكاً باحتلال ما أطلق عليه «الحزام الأمني» في إشارة إلى بعده الدفاعي عن شمال فلسطين المحتلة، إضافة إلى أهداف أخرى تتصل بالحضور الميداني المباشر في الساحة اللبنانية، إلى حين نجحت المقاومة في اقتلاعه وإجباره على الاندحار عام 2000.

مع ذلك، بقيت إسرائيل تراهن على أن قدراتها الهجومية تغنيها عن بناء تحصينات دفاعية – برية. لكن تجربة العام 2006، وما ترتب عليها من نتائج وتداعيات استراتيجية ما زالت تتوالى حتى الساعة، وتطور جاهزية حزب الله وتنوع قدراته وتكتيكاته وخياراته العملانية، دفعت جيش العدو إلى تسريع عملية بناء الجُدُر على الحدود مع لبنان، كجزء من خطة دفاعية متكاملة تحاول محاكاة سيناريوات المواجهة. وفي هذا الإطار، كشف موقع واللا العبري، عن أن وزارة الأمن الإسرائيلية أكملت في الفترة الأخيرة بناء سور بطول 12 كيلومتراً على الحدود مع لبنان، من أصل 13 كيلومتراً تمت المصادقة على بنائها، بهدف منع التسلل إلى داخل الكيان. وفي نفس السياق، بدأت أيضاً عملية إضافة سياج من الفولاذ وسياج شائك بارتفاع ثلاثة أمتار، وفي الإجمال يصل ارتفاع السور إلى تسعة أمتار.

في المقابل، يلاحظ أن المؤسسة الإسرائيلية بكافة عناوينها لم تُخفِ خلفيات بناء هذا الجدار عن المستوطنين، وكونه نتيجة مخاوف جدية من إمكانية وقدرة اقتحام المقاومين في لبنان لمنطقة الجليل. وهو ما يكشف عن حقيقة أخرى مفادها أن القيادة الإسرائيلية تجد نفسها مضطرة لمصارحتهم حول تبدل معادلات الصراع مع لبنان والمنطقة.

وتؤكد التحصينات والجدر التي يقيمها جيش العدو على الحدود مع لبنان، على حجم التبدل الذي طاول العقيدة العسكرية لجيش العدو بفعل الفشل والهزائم التي تلقاها على يد المقاومة في لبنان. ومن أهم معالمها، الإقرار بفشل الرهان على إمكانية ردع حزب الله عن تنفيذ هذا الخيار الخطير جداً في نتائجه ورسائله. وتكشف عن إقرار جيش العدو بأن أي خيار هجومي قد ينتهجه لن يسلب حزب الله القدرة والإرادة عن اللجوء إلى هذا الخيار.

إدراك قيادة العدو لمحدودية مفاعيل خياراتها العملانية، في مواجهة سيناريو اقتحام الجليل، وفشل الرهان على المبادئ التي حكمت العقيدة العسكرية الإسرائيلية، طوال العقود التي تلت إقامة إسرائيل عام 1948، حوَّل هذا الخيار إلى قوة ردع إضافية للبنان والمقاومة، وكرس حقيقة التحول الاستراتيجي الذي استجد على معادلات الصراع مع إسرائيل.