لم يكن بمفاجئ عودة الحديث عن التعاون بين روسيا وحزب الله،الذي تشهد الساحة السورية ابرز تجلياته مع بلوغ التنسيق العسكري بين الطرفين ذروته،منذ دخول موسكو المباشر على الخط . فمخاوف تل ابيب وهواجسها على هذا الصعيد قديمة العهد، انطلاقا مما تسميه تعاونا غير مباشر عبر النظام السوري الذي عمد في مرات كثيرة الى تسليم شحنات اسلحة للحزب.
فخلال الثمانينيات تقول مصادر ديبلوماسية غربية، عندما تدخل الاتحاد السوفياتي مباشرة في سوريا دعما لنظام الرئيس حافظ الأسد، اعتبرت طهران يومها، موسكو عدوهم اللدود، حيث قامت بتوجيه رسالة قاسية في 20 أيلول 1985 تمثلت باختطاف أربع دبلوماسيين سوفيات في بيروت، طالبة من «الروس الكفرة» أن يضغطوا على دمشق لوقف وجودها العسكري ونشاطها في لبنان. مذ ذاك الحين مرّت العديد من السنوات وقد بقيت العلاقة الاستراتيجية بين موسكو ودمشق على حالها رغم انهيار الاتحاد السوفياتي، وليصبح النظام السوري أفضل صديق لحزب الله.
من هنا سعت الدولة العبرية دوما للحصول على ضمانات موسكو في هذا المجال، في ظل «العلاقات المميزة» التي ربطت الرئيس فلاديمير بوتين باسرائيل، والتي ترجمتها اتفاقية للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين، موقعة عام 2010، يتحدث الخبراء عن ان ملحاقاتها السرية هي الراعية للتعاون الاسرائيلي-الروسي في سوريا حاليا.
ووفق ما تشير المصادر الدبلوماسية الغربية، فقد وضع الإسرائيلي، منذ بداية الصراع السوري، قواعد عسكرية معروفة، تتضمن ثلاثة خطوط حمراء. الأول منع وصول أسلحة غير تقليدية لحزب الله، والثاني منع حصول تغيّر استراتيجي في سوريا يخدم حزب الله، بمعنى منع سيطرة حزب الله على الجنوب السوري وفي أماكن معينة، أما الثالثة فهي عدم تحويل سوريا لمركز إنطلاق للمقاومة ضد أهداف إسرائيلية. والملاحظ انه فور بروز أي شيء من هذا القبيل يتحرك الإسرائيلي في إطار التصدي، بمعنى أن قصفه يطاول مواقع فيها صواريخ متطورة لحزب الله، وأيضاً أي تحرك بشري لعناصر من حزب الله في مناطق قريبة يجري استهدافهم. وتضيف المصادر أنه «بعيد التدخل الروسي، تعهد الروس بطمأنة إسرائيل بأن هذا التدخل لن يؤدي إلى متغيرات تمسّ بالأمن القومي الإسرائيلي، مقابل سكوت إسرائيل عن الهجمات العسكرية التي تشنّها المقاتلات الروسية بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وبالتالي فإن توجيه الإسرائيلي ضربات ضد الحزب يوضع في سياق الحفاظ على هذه الخطوط الحمراء.
غير ان ذلك لم يحد من القلق الاسرائيلي، فقد تحدثت تقارير استخباراتية اسرائيلية عن ان جنوب سوريا يشهد تطورات أمنية شديدة الخطورة، مع دخول قوة عسكرية كبيرة تابعة لحزب الله الأربعاء الماضي مدينة درعا السورية، موضحة أن تواجد هذه العناصر في المنطقة الجنوبية يعني سقوط كافة الوعود التي قدمها «القيصر الروسي» لرئيس الوزراء الإسرائيلي والملك الأردني، حيث تتحدث المصادر عن ان الاتفاق الاصلي بقضي بان العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الروسية في جنوب سوريا لن تشمل تواجد قوات إيرانية أو عناصر حزب الله أو قوى تابعة للعراق على طول الحدود الإسرائيلية السورية، لان ذلك يعني ان الحزب أصبح على بعد 32 كيلو مترا فقط عن مرتفعات الجولان، كما أن المسافة بين درعا والحدود الأردنية 12 كيلو مترا فقط، وهذا يؤكد أن قوات حزب الله باتت تعمل في نطاق الحدود السورية مع إسرائيل والأردن على حد سواء.
وتطرقت التقارير الإسرائيلية إلى موقف القيادات العسكرية والسياسية في تل أبيب من تطورات الأحداث بجنوب سوريا، مؤكدة أن مدير المخابرات العسكرية هو الأكثر إدراكا لخطورة هذه التطورات بينما رئيس الأركان غادي ايزنكوت ووزير الدفاع موشي يعالون ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يكتفون بالتصريحات التي تهاجم هذه التطورات.
في هذا الاطار جاء كلام السفير الإسرائيلي في موسكو تسفي خيفيتس المتواجد حاليا في إسرائيل للمشاركة في المؤتمر السنوي للسفراء الذي تعقده وزارة الخارجية الإسرائيلية،بحسب المصادر، حيث اكد خلال إفادته أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، أن الحكومة الروسية أجرت تحقيقاً داخلياً على خلفية تقرير إعلامي نشره موقع «ديلي بيست» الإخباري الأميركي حول تسليح روسيا لـ «حزب الله»، اكدت على اثره موسكو ان مثل هذه التقارير عديمة الأساس على الإطلاق، متعهدة بأنها لن تسلم أي أسلحة لحزب الله في سياق عملياتها العسكرية بسوريا.
تسريب التقرير، عن تسليم اسلحة «دون شرط أو قيد»، بحسب ما تؤكد المصادر الدبلوماسية الغربية، لم يكن عن طريق الخطأ، اذ انه جاء برغبة من حزب الله لوضع حد للديناميكية الايجابية للتعاون بين موسكو والقدس بما يخص سوريا، ولزرع الشك بين الشريكين. في الواقع، عام 2006، وجدت القوات الاسرائيلية أدلة لوجود أسلحة كورنيت وأنظمة مضادة للدبابات روسية الصنع في لبنان، ما دفع موسكو للإعلان بأنها ستُجري تحقيقاً في مخازن الأسلحة السورية لمنع تسريبات أخرى. امر قد يجعلها غير معنية بأن تصبح مزّود أسلحة لحزب الله.
عليه، يصحّ تفسير الوضع بأنه يأتي في سياق الحفاظ على قواعد العمل بين الروس والإسرائيليين، تماماً كما تجري المحافظة على قواعد العمل بين الروس والأميركيين في الشمال السوري، ما يعني عمليا ان التنسيق الإسرائيلي الروسي سيستمرّ بشكل أكبر، خصوصاً مع زيارة أخرى مرتقبة لنتنياهو إلى موسكو للقاء بوتين، أو ربما حصول اللقاء في مكان آخر بحسب المصادر الديبلوماسية الغربية.