يخوض حرب مناورات هجومية.. والتدخل الروسي مَنَحه دروساً هامة للنزاعات المقبلة
إسرائيل قلقة مما راكمه حزب الله في سوريا من مكتسبات استراتيجية وتكتيكية
على المستوى الإستراتيجي تخلى الحزب عن مقاربة «عدم الخسارة» وأخذ يُركّز على طرق تحقيق الإنتصارات المرتقبة
كان للبيان الرئاسي الصادر عن الكرملين بسحب القوات الروسية من سوريا وإنهاء الجزء الغالب من العمليات العسكرية التي أطلقتها موسكو في خريف 2015، وقعه الكبير عربيا ودوليا.
وظهر ان السرية التي رافقت صوغ القرار الروسي وابلاغه الى القيادة السورية قبل تعميمه في بيان رئاسي رسمي، دفعت العواصم المعنية الاقليمية والدولية الى التدقيق ديبلوماسيا واستخباريا في مغزى هذا القرار وأبعاده. وكان لافتا ان هذه العواصم لم ترفع سقف توظيفها او إستثمارها السياسي – الإعلامي للانسحاب الروسي الجزئي من سوريا، رغم كل الحرب العسكرية -السياسية – الإعلامية المعلنة بين المحورين المتقاتلين هناك، ربما لأن الانسحاب الروسي جاء في سياق الحل السياسي التي تسعى موسكو وواشنطن الى الضغط لإرسائه قبل انتهاء ولاية الرئيس باراك اوباما.
وحدها إسرائيل جاهرت بقلقها من الانسحاب الروسي. وقال رئيس هيئة الأركان في الجيش غادي آيزنكوت إن القرار شكل مفاجأة لإسرائيل، بعكس ما كان عليه الوضع من تنسيق قائم بين الجيشين الإسرائيلي والروسي في فترة التدخل في سوريا. ولفت الى أن الخطوة الروسية تتطلب من إسرائيل المزيد من الحذر واليقظة لمعرفة مآلات التطورات في سوريا مع الانسحاب الروسي بعدما شكل التدخل الروسي مصدر قوة للأسد وتمكّن من الوصول إلى مفاوضات جنيف وهو في موقع قوة». أما الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين فأثار في زيارته لموسكو «أهمية حفظ أمن إسرائيل في أي تسوية في سوريا، لأن روسيا معنية بالحفاظ على بقاء وسلامة وأمن إسرائيل».
في الموازاة، كان للمستوى العسكري – الاستخباري الاسرائيلي قلق من نوع آخر، ناتج اساسا مما راكمه «حزب الله» من خبرات إضافية نتيجة عمله الميداني في إطار غرفة العمليات العسكرية المشتركة مع الجيشين الروسي والسوري والحرس الثوري الايراني.
يلاحظ تقرير بحثي أميركي – إسرائيلي أن حزب الله «اضطر إلى تغيير أهدافه الأساسية لتصبح الاستيلاء على الأراضي وإبقاء السيطرة عليها، وفي الوقت نفسه محاربة القوات شبه التقليدية التي تستخدم تكتيكات حرب العصابات. وفي وجه جيش الدفاع الإسرائيلي، كان الحزب معتاداً على القتال ضمن وحدات صغيرة على أراضٍ معهودة، بيد أنه ينشر راهنا مئات المقاتلين في عمليات هجومية معقدة على أراضٍ غير معهودة. وبالنسبة إلى قادة «حزب الله» ومقاتليه، يمكن أن تغير هذه التجربة آراءهم حول الطريقة الأكثر فاعلية للفوز في معركة، ويفترض انخراط روسيا بالحرب في سوريا أن حزب الله يتعلم هذه الدروس من أحد أفضل الجيوش في العالم».
ويشير الى ان روسيا اعتمدت منذ تدخلها في سوريا «على القوات السورية والإيرانية و حزب الله وقوات شيعية أخرى لإنجاز المهمة على الأرض، ونظراً للطابع المعقد للحملة ولرغبة موسكو بتجنب تصورات الفشل، حافظت القوات الروسية على تعاون وثيق جداً مع شركائها للتأكد من أنهم يقومون بتنفيذ مهامهم».
ويلفت الى ان الحزب، «للمرة الأولى في تاريخه، يخوض حرب المناورات الهجومية كجزء من عملياته في سوريا، وساهم التدخل الروسي في تعزيز هذه التجربة، معطيا بذلك للحزب دروساً هامة للنزاعات المقبلة. وأتاح ذلك إطلاع الحزب على الفكر العسكري الروسي، الذي يتضمن مفاهيم تشغيلية متطورة ومهارات متقدمة من ناحية التخطيط العسكري. فالجيش الروسي يملك خبرة واسعة في ما يتعلق بإنجاز أنواع مختلفة من العمليات، بما فيها حملات مكافحة التمرد وحملات تقليدية. كما إطّلع عن كثب على كيفية قيام المحللين الروس بجمع استخبارات الإشارات واستخبارات بصرية واستخبارات المصادر المفتوحة لتقديم صورة أوضح عن العدو وأرض المعركة. وتضمن ذلك استخدام الصور الملتقطة بالأقمار الإصطناعية وتصوير جوي من الطائرات من دون طيار من طراز Orlan-10 وقدرات متطورة متعلقة باستخبارات الإشارات وعناصر الحرب الإلكترونية. وتعتبر هذه الملاحظات ذات قيمة خاصة بالنسبة إلى «حزب الله» كونه لا يملك خبرة كبيرة في جمع أقصى قدر من الاستخبارات البصرية انطلاقاً من الطائرات بدون طيار وفي إدراجها ضمن استخبارات أخرى».
ويوضح التقرير أن العمل مع الروس «ساعد الحزب على تعلم كيفية تنفيذ عمليات هجومية معقدة في البيئات الحضرية. ففي النزاعات السابقة، كانت تكتيكاته تركز على حرب العصابات وكانت الوحدات الصغيرة مكلفة بالدفاع عن قراها أو إعاقة تحركات جيش الدفاع الإسرائيلي، لكن الحزب اضطر في سوريا إلى نشر وحدات أكبر بكثير في العمليات الهجومية بالتزامن مع المدفعية وعناصر الطاقة الجوية. وتملك القوات الروسية خبرة واسعة في حرب المدن، وتاليا زودت الحزب بمعلومات مفيدة، بما فيها كيفية تنظيم بنية فعالة للقيادة والتحكم، وكيفية اختيار أسلحة مختلفة لسيناريوهات مختلفة، وكيفية خلق أهداف إضافية بعد الدخول إلى أرض المعركة، وكيفية المحافظة على الطرق اللوجستية.
ويضع التقرير خلاصتين للمكتسبات التي راكمها الحزب:
أ-على المستوى الاستراتيجي، تخلى عن مقاربة «عدم الخسارة» وأخذ يركز عوضاً عن ذلك على طرق تحقيق الانتصارات المرتقبة في مراحل مبكرة من نزاع معين.
ب- وعلى المستوى التكتي، يشغل «حزب الله» راهنا مقعداً في الصفوف الأمامية يتيح له مراقبة مختلف نظم الأسلحة والمعدات التي يستخدمها الروس في سوريا، والتي لم يسبق للحزب أن رأى بعضها من قبل. وبالتالي، يمكن أن يتعلم كيفية استخدام أسلحته الحالية على نحو أكثر فاعلية ويدرس النظم التي قد يرغب بشرائها في المستقبل.