كتب كبير صحافيي العالم العربي محمد حسنين هيكل ان العروبة والقومية تنقذان العالم العربي مما يتخبط فيه، ورأى انه “عندما تتحول الهوية الطائفية إلى هوية سياسية ، فإن استدعاء العداء يصاحبها بالضرورة. وعندما يتم تسييس المذهب، فإن الطائفة تحاول أن تعبر عن نفسها بشكل نفعي، أي أنها تحاول قدر الامكان الخروج بأكثر المكاسب، فالتعايش المذهبي لن يحل أزمة الطائفية، بل سوف ينقلها من الصراع الأهلي إلى المحاصصة السياسية، ولبنان والعراق نموذجاً”. لعل هيكل اختصر في تغريداته عبر “تويتر” قبل ايام ما يحصل حاليا على امتداد العالمين العربي والاسلامي من تمذهب يتحول صراعات تتخذ مظاهر مختلفة. واذا كنا لسنا في وارد تأييد او معارضة ما اقدمت عليه المملكة العربية السعودية بإعدام 47 شخصا اتهمتهم بالارهاب والشغب والاخلال بالنظام العام، فلأننا نعتبر هذا الامر شأنا داخليا لدولة لها سيادتها على ارضها، وقد عانينا في لبنان ما عانيناه من تدخل الغير في شؤوننا وامورنا الداخلية، من الفلسطيني الى السوري، وصولا الى تأثير صراعات المنطقة على ملفاتنا ومنها الشغور الرئاسي الذي يتأرجح وفق وتيرة العلاقات السعودية – الايرانية.
لكن ردود الفعل التي صدرت واتخذت منحى طائفيا، تنذر بخطر اندلاع صراعات مذهبية انطلقت قبل اعوام، وشاهدنا فصولها اللبنانية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وان كان مستوى العنف الممارس فيها اقل مما يمكن ان يحصل اذا امتد هذا العنف على مستوى العالمين العربي والاسلامي، خصوصا حيث ينتشر الفكر التكفيري، وتنشط المجموعات الارهابية الداعشية وغيرها.
هكذا فقد العرب هويتهم القومية التي جمعت حتى المتناقضات، وبدل ان يمضوا عربا في مواجهة فرس او عجم او اي قومية اخرى، فيتنافسوا على الافضل، اذ بهم يعودون الى مربعهم الاول المذهبي الضيق، ويستحضرون احداثا حصلت قبل اكثر من الف سنة، ليعيدوا شحذ النفوس والهمم ضد بعضهم البعض، فيخسرون ماضيهم الجميل، وحضاراتهم التي دخلت العروبة، وقد يخسرون مستقبلهم. هذه الفتنة التي اخمدت بعد الاعوام الاولى من عمر الاسلام، ظهرت كجمر تحت الرماد، واعادت العرب الى الخيمة الاولى، والى الصحراء، صحراء الفكر والتقدم والعلوم، وطغت عليهم حضارتا الفرس والعثمانيين، وصارت ايران وتركيا تحكمان عالمنا العربي بطريقة او باخرى، وازداد الحصار مع اسرائيل الطامحة دوما الى هيمنة حقيقية تمتد من النيل الى الفرات. وها هي الدولة العبرية تقف متفرجة، ضاحكة، وهي تشاهد العرب يتفككون، ويتقاتلون، ويتآكلون، اذ لم تعد هناك حاجة لديها لخوض حروب معهم، فقد تكفّلوا بقتل بعضهم البعض.
ندرك تماما ان بلادنا ليست في معزل عن صراعات المنطقة، وقد شاهدنا فصولا منها في مراحل متعددة، آخرها تصعيد كلامي نهار الاحد، لكننا نأمل دائما في ان تسود الحكمة لان لبنان لم يعد قادرا على العودة ساحة لتصفية الحسابات.