فور صدور نتائج الانتخابات في إسرائيل، راحت التساؤلات تتجدد حول ما يمكن أن يحمله هذا الاستحقاق من أثر على خيارات اسرائيل، واحتمالات ذهابها نحو تصعيد يقود الشرق الأوسط بأكمله إلى الحرب.
هذه التساؤلات، على ما يقول أحد الخبراء في الشأن الاسرائيلي، تبدو مشروعة، ففوز نتنياهو، بما يمثّله من تكريس لسيطرة اليمين المتشدد في إسرائيل، يأتي ليعزّز حضوراً داخلياً لم تقوّضه ملفّات الفساد والملفات الداخلية الأخرى، التي دفعته نحو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، غداة استقالة وزير الدفاع افيغدور ليبرمان.
تقول هذه الشخصية انّ اسرائيل حسمت في الانتخابات خيارها بتبنّي الخيارات الأكثر تطرفاً ونجح نتنياهو بتقديم نفسه بصورة «الحامي» لقوة إسرائيل، متلقياً جرعات خارجية تدعمه، ولاسيما من الرئيس الأميركي دونالد ترامب (الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل،وبالسيادة على الجولان)وايضا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين( هدية» رفاة جندي معركة السلطان يعقوب).
ماذا يعني فوز نتنياهو؟
يعني، كما تقول الشخصية نفسها، أنّ الكلمة في إسرائيل باتت لمعسكر الحرب المتحمّس لانتصار حاسم ضد إيران و»حزب الله». وواضح انّ رموز هذا المعسكر يستحضرون مقولات شعبوية من قبيل الحديث عن «الخطر الوجودي» الذي يتطلّب، بنظرهم، الذهاب إلى مواجهة عسكرية تتخذ شكل حرب قصيرة الأمد، تمنع «حزب الله» من استنزاف إسرائيل في حرب طويلة الأمد. علما انّ هذا المعسكر حقّق «إنجازاً» داخلياً من خلال تعيين أفيف كوخافي، المعروف بتشدده ودمويته، رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي. والذي سارع فور تعيينه، لإطلاق «ورشة الانتصار»، والهدف منها البحث في «مفاهيم الانتصار» وكيفية هزيمة العدو» وتجاوز السنوات الماضية التي ازدادت خلالها صعوبة تحقيق انتصار واضح، وتحديداً على «حماس» و»حزب الله». وينتظر أن تنبثق عن هذه الورشة خطة عمل بحلول تموز المقبل.
واذ تتحدث الشخصية عن «مخاطر موضوعية» لاندلاع حرب، تقول إنّ «حزب الله» يتعامل على أساس توقّع السيناريو الأخطر، ومن هنا تأتي التلميحات بأنّ الاستعداد لحرب مع إسرائيل أمر مستمر ومتواصل، بصرف النظر عمّا إذا كانت مؤكدة أو مجرّد احتمال.
الواضح، والكلام للشخصية عينها، انّ كفة الميزان باتت تميل اليوم نحو «معسكر الحرب» في الداخل الإسرائيلي، خصوصاً انه يحظى اليوم بجرعات «دعم» من واشنطن، التي يتماهى خطابها مع خيارات هذا المعسكر، وهو ما تبدّى في ما حمله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من تهديدات صريحة خلال زيارته للبنان، وفي شهادته امام مجلس الشيوخ بأنّ «إيران قد تلجأ لوضع أنظمة صواريخها داخل لبنان وخطر التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل حقيقي»، فضلاً عن التسريبات بشأن احتمال فرض مزيد من العقوبات تطال حلفاء «حزب الله».
ولكن، تلفت الشخصية المذكورة، إلى انّ التصعيد تدريجي، ويوحي وكأنّ الحرب واقعة لا محال. لكن يجب ألّا نغفل ما يواجهه هذا المعسكر في إسرائيل، حيث يوجد أيضاً ما يمكن أن يسمّى «معسكر التبريد»، فهو يملك قدرة ممارسة ضغوط لكبح جماح «معسكر التصعيد»، ويمتلك ايضاً ما يكفي من مؤشرات للتشكيك في قدرة الجيش الاسرائيلي على تحقيق «انتصار واضح»، خصوصاً أنّ ثمة مخاوف اسرائيلية جدية، حتى على مستوى المُغالين في خيار الحرب، بشأن احتمالات انجرار إسرائيل نحو معركة طويلة تستنزف قواها التي تسعى لترميمها منذ حرب تموز 2006، وافتقاد الجبهة الداخلية الى الحصانة الكاملة التي تبعدها عن صواريخ «حزب الله»، أو حتى تجنّب سيناريو اقتحام الجليل.
والأكيد، في رأي الشخصية، انّ ثمة قناعة راسخة لدى اكثرية المستويات السياسية والعسكريةالإسرائيلية بأنّ تل ابيب لم تعد قادرة على المخاطرة بحرب ضد «حزب الله» ما لم يقترن ذلك بتقديرات عالية لفرص تحقيق «الانتصار الواضح»، وهو أمر غير مؤكد بالنسبة إلى الإسرائيليين حتى هذه اللحظة، وخصوصاً في ظل القدرات المتعاظمة لدى «حزب الله» وجهوزيته لمواجهة احتمال الحرب. من هنا، يمكن افتراض أنّ إسرائيل لن تبادر إلى شن حرب، ما لم تكن متأكدة من عدم تكرار سيناريو العام 2006، وهو أمر لا يزال موضع شكوك، بانتظار ما سيتبدّى من الخطة العسكرية التي سيقدمها أفيف كوخافي لحكومة نتنياهو الجديدة.
علاوة على ذلك، فإنّ أي قرار بالحرب لا بد أن يقترن بضوء أخضر أميركي، لا تزال واشنطن مترددة في إعطائه للإسرائيليين، كونها ليست متأكدة من القدرة على تجنّب سيناريوهات خطيرة تتراوح بين حرب شاملة في المنطقة تتجاوز لبنان وسوريا وتصل إلى ايران، وبين احتمال استفادة روسيا من هذه الحرب، لكي تدخل بثقلها للعب دور وسيط يؤهلها لتصبح مرجعية كاملة في الشرق الأوسط، حتى لدى الإسرائيليين الذين سيضطرون في حال طالت الحرب للجوء إلى فلاديمير بوتين، الذي ستصبح له اليد الطولى في إدارة النزاعات والتوازنات في الشرق الأوسط.