IMLebanon

الأزمة الاقتصاديّة والمفاوضات البحريّة: رافعتا «النفوذ الإسرائيلي» في لبنان

 

 

تصاحب الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ على ترسيم الحدود البحرية جنوباً، حالة لا يقين مرتبطة بنتيجة الجولة الحالية التي تعقد جلساتها اليوم في الناقورة، وكذلك بمسار المفاوضات نفسها، بعدما شهدت الجلسة الثالثة وما ورد من تل أبيب في أعقابها من تصاريح وتسريبات، محاولة مسبقة لوضع شروط وموانع على الوفد اللبناني، تحدد له ما يمكن المطالبة به وما لا يمكن.

 

وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، بوصفه مديراً للمفاوضات من الجانب الإسرائيلي، مهّد للجولة الرابعة عبر طرح معادلة تدخل الوفد اللبناني في اختبار دائم، وهي تتركز على أن أي مطالبة لبنانية بما يتعلق بالحدود المائية، وبما لا تريده «إسرائيل» أو لا ترغب في أن يكون مادة للتفاوض، يعني من جهتها أن لا جدية لدى الجانب اللبناني، وستشير إلى أنه يعمل على إفشال المفاوضات.

وقال شتاينتس في مقابلة مع الإذاعة العسكرية، الأحد، رداً على سؤال يتعلق بتقديره لمآل المفاوضات مع لبنان، إنه لا يستطيع القول إلى «أي اتجاه تسير عملية التفاوض مع اللبنانيين». وأضاف إن اللايقين حول نتيجة المفاوضات هو أننا «سمعنا من الجانب اللبناني بعضاً من الاستفزازات. لكن إذا جاؤوا (إلى الجولة الرابعة) بنهج عملي وجاد، فهناك فرصة لحل الخلاف».

«إسرائيل» وبعدما نجحت في فرض عملية التفاوض غير المباشرة، توقيتاً ومضموناً، وذلك عبر الوسيط الأميركي الذي فعّل ضغوطه على الجانب اللبناني، ظناً منها أن الأزمة الاقتصادية في لبنان فرصة لتليين الموقف اللبناني ودفعه إلى التنازل عن حقه، تواصل من جهتها بعد بدء الجولات التفاوضية ضغطها الخاص بها، عبر تحديد جدول أعمال التفاوض وما يمكن للبنان أن يطالب به، وكذلك ما يُمنع عليه، وإلا فالنتيجة محددة مسبقاً: فشل المفاوضات.

وكان الوفد الإسرائيلي للمفاوضات قد عرض في الجولة الأخيرة خطاً متطرفاً للحدود البحرية مع انزياح شمالاً ليتضمن مساحة كبيرة من المياه الإقليمية والاقتصادية للبنان، وذلك رداً على عرض الجانب اللبناني، استناداً إلى خط ترسيم الحدود البرية بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني من القرن الماضي، خطاً مائلاً إلى الجنوب من المنطقة التي يسمّيها العدو «المتنازع عليها»، فيما وعدت تل أبيب عبر تسريبات لاحقة، بما مفاده أن إصرار لبنان على موقفه وعلى إزاحة الخط جنوباً، قد يتسبب في أن تطالب إسرائيل بالخط 310، الذي يقضم المياه اللبنانية إلى شمال المنطقة المواجهة لمدينة صيدا!

 

يريد العدوّ أن يفرض على لبنان ما يُسمح له بالمطالبة به وما يُمنع عليه

 

 

إلى أين يقود التعنت الإسرائيلي في المفاوضات، مع الوعد بتطرف أكثر في المواقف ما لم يرضخ المفاوض اللبناني للإرادة الإسرائيلية؟ سؤال يقود إلى سؤال أشمل وبمستوى أرفع، حول مصير العملية التفاوضية نفسها.

واحدة من الأوراق التي تتمسك بها «إسرائيل» وتبني عليها مواقفها ومطالباتها المتطرفة، مع توقع منها بأن يلين لينان مواقفه ويتراجع عن جزء من حقوقه كحد أدنى، تقديرها أن الأزمة الاقتصادية في لبنان لا تترك للمفاوض اللبناني هامش مناورة في مقابل «إسرائيل»، وأنه سيسارع إلى قبول أي «عرض حدودي» طالما أن النتيجة هي تمكينه من استخراج جزء من ثروته الغازية، وإنْ مع تقلّصها لمصلحة «إسرائيل».

والأزمة الاقتصادية نفسها لا تحضر حصراً على طاولة التقدير لدى وزارة الطاقة الإسرائيلية التي تدير التفاوض مع لبنان على الحدود البحرية، بل أيضاً لدى المراكز البحثية والتخطيط الموازي في كيان العدو. وفقاً لمنشور صدر عن مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب، فإن الأوضاع الاقتصادية في لبنان المصحوبة مع التطورات السياسية الجارية، من شأنها أن تؤدي الى تقلبات بمستويات مرتفعة، سواء ما يتعلق بالوضع الداخلي في لبنان أو في العلاقة مع «إسرائيل»، و«إسرائيل تمتلك في هذه الساحة (لبنان) القدرة على التأثير في الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى القريب والمتوسط، وعليها أن تفكر في استخدام أدوات ورافعات النفوذ التي تملكها، مع اختيار ناجع بما يرتبط كذلك بالتوقيت».

واضح أن الأزمة الاقتصادية في لبنان تحتلّ حيزاً معتبراً في التخطيط الإسرائيلي تجاه الساحة اللبنانية، بوصفه عامل تأثير هائل يستطيع تغيير المعادلات ودفع لبنان إلى التنازل والتراجع عن مواقفه، إذ إن وطأة الأزمة تحول دون الثوابت اللبنانية.

الواضح أكثر أن المفاوضات (غير) المباشرة واحدة من أدوات ورافعات النفوذ الإسرائيلية تجاه الساحة اللبنانية، ما يعني أن التفاوض من ناحية إسرائيل، وغيره من الوقائع، لا يحده مصلحة اقتصادية بل يمتد إلى ما يتجاوز ذلك لما هو أعلى وأشمل، سياسياً وأمنياً.

على هذه الخلفية، وغيرها من الأسباب، لا يبدو أن «إسرائيل» معنية في هذه المرحلة بإفشال العملية التفاوضية مع لبنان، بل هي معنية بأن تبقي عليها، وإن رافقها تعنت بمستوى ما لا يؤدي إلى إيقافها، ولا يؤدي إلى مكاسب لبنانية بالمجان، وهو ما على المفاوض اللبناني أن يدركه جيداً، من دون أن يقصر تفسير المواقف والخطوات التفاوضية الإسرائيلية على معانيها الاقتصادية والحدودية.