عندما يعلن بنيامين نتنياهو، الذي سيزور موسكو قريبا، ان الجولان إسرائيلي «الى الابد»، فهو يحصد ما زرعه النظام السوري الذي لم يرد يوما استعادة ارضه المحتلة في العام 1967.
استبعد نتنياهو مفاوضات جدّية مع الجانب الفلسطيني، كما عرف تماما ان في استطاعته الاتكال على الجانب السوري تفاديا لاعادة الجولان الى اصحابه.
قضى نتنياهو على خيار الدولتين، الذي نادى به المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتّحدة، منذ زمن. اعترض دائما على كلّ ما من شأنه التمهيد لتسوية معقولة ومقبولة تؤمن الحد الادنى من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
انتهز نتنياهو مرور ما يزيد على خمس سنوات على الحرب الدائرة في سوريا، وهي حرب يخوضها نظام اقلّوي في مواجهة مع شعبه، من اجل عقد جلسة لمجلس الوزراء في احدى المستوطنات المقامة في الجولان المحتل منذ نصف قرن الّا سنة واحدة. نعم منذ نصف قرن عندما كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع وقبل وصوله الى الاستفراد بالسلطة في العام 1970.
بقي الجولان تحت سيادة الدولة السورية المستقلّة اقلّ من ربع قرن، وهو تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ نصف قرن. لماذا لم يفعل النظام السوري شيئا من اجل استعادة ارضه المحتلة طوال كلّ هذه المدّة؟. حسنا، كانت هناك «حرب تشرين» في العام 1973. اعتبرها النظام السوري انتصارا عسكريا، في حين وصلت القوات الإسرائيلية نتيجة تلك الحرب الى ابواب دمشق!
كان امام النظام السوري منذ انتهاء تلك الحرب، التي استثمرها سياسيا الى ابعد حدود، خياران. امّا استعادة الارض بالقوّة وامّا الدخول في مفاوضات كي يعود الجولان الى اهله. فضّل النظام السوري حال اللاحرب واللاسلم. كان النظام السوري في كلّ وقت عاجزا عن الحرب وعاجزا عن السلم. فضّل المتاجرة بالجولان. فضّل في الوقت ذاته اعتبار الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على إسرائيل. لذلك كان هناك دائما اتفاق ضمني بين النظام وإسرائيل على ابقاء جبهة جنوب لبنان جرحا مفتوحا يستفيد منه الجانبان في حين لم يعد عصفور يمرّ في سماء الجولان منذ توقيع اتفاق فكّ الاشتباك السوري ـ الإسرائيلي في العام 1974 برعاية «العزيز» هنري كيسينجر.
رفض النظام السوري في كلّ وقت الدخول في مفاوضات جدّية من اجل استعادة الجولان. وهذا ما كان يناسب إسرائيل التي لم تعترض يوما في العمق على السياسة التي يتبعها هذا النظام. ففي مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد في اواخر تشرين 1991، بعد ثمانية اشهر من انتهاء الاحتلال العراقي للكويت، كانت هناك محاولة جدّية برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والاتحاد الاوروبي من اجل التوصل الى تسوية شاملة. كان الموقف السوري في ذلك المؤتمر من النوع المضحك ـ المبكي، اذ اقدم فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري وقتذاك، على عمل ذي طابع مسرحي يستهدف اظهار اسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يرأس وفد بلاده بانّه ذو تاريخ ارهابي. هل تاريخ شامير الذي كان عضوا في عصابة «ايرغون» الارهابية سرّ عسكري لا يعرف عنه احد شيئا باستثناء فاروق الشرع!
فحوى تلك الرسالة الموجّهة من وزير خارجية النظام الى كلّ من يعنيه الامر ان سوريا غير مهتمّة باستعادة الجولان وان الاولية هي للمتاجرة بالهضبة المحتلة التي سبق لحكومة مناحيم بيغن ان اعلنت في الثمانينات ضمّها رسميا بعد موافقة الكنيست على ذلك.
تبيّن في المدى الطويل، اي بعد نصف قرن من احتلال الجولان ان سوريا والشعب السوري يدفعان ثمنا غاليا لنظام حكمهم بالحديد والنار كان يختلق الحجج من اجل بقاء الاحتلال.
كانت احدى احدى الحجج التافهة، تلك التي استخدمها الاسد الاب في لقائه الاخير مع الرئيس بيل كلينتون في نيسان 2000، اي قبل شهرين من وفاته. تمسّك الاسد الاب في الاجتماع الذي انعقد في جنيف بانسحاب إسرائيلي الى «خط الرابع من حزيران 1967» على ضفة بحيرة طبريا بحجة انه كان يصطاد السمك هناك وانّه لا يستطيع التخلي عن شبر من الارض. راح عن باله ان مستوى المياه في البحيرة تقلص منذ العام 1967… وان «خط الرابع من حزيران» لم يعد يمرّ في مياه البحيرة.
في كلّ الاحوال، لم تكن إسرائيل ضدّ هذا الطرح، هي التي كانت دائما ضدّ اعادة الجولان، حتّى لو كان ذلك في ظلّ اتفاقات معيّنة. كانت تعرف ان النظام السوري سيجد مبررا لرفض كلّ عرض يعيد الارض المحتلّة.
لم يكن الجولان يوما همّا لدى النظام السوري. كان همّه الوحيد البقاء في السلطة والمزايدة على العرب الآخرين بشعارات «المقاومة» و»الممانعة» وابتزازهم وصولا الى تمكين الاب من توريث البلد والشعب لابنه في السنة 2000.
من الطبيعي ان تقبض إسرائيل حاليا ثمن استثمارها الطويل المدى في نظام لم يتردّد لحظة في خدمتها. خرّب هذا النظام سوريا ولبنان واخذ الفلسطينيين من كارثة الى اخرى. كان الاحتلال دائما حليفه الموضوعي وضمانة لبقائه في السلطة لا اكثر ولا اقلّ.