IMLebanon

تهديدات إسرائيل… إبحثوا عن كرديش

 

ما تزال تداعيات خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأمم المُتحدّة تُخيّم على الأجواء السياسية في لبنان. وإذا كان ظاهرُ هذه التصريحات سياسيّاً بإمتياز، إلّا أنّ الحقيقة موجودة في مكان أخر وترتبط بالمشكلات التي تواجهها إسرائيل في إيجاد شركات للإستثمار في حقل كرديش، وهي جزءٌ من حرب نفسيّة تقودها إسرائيل لتعطيل تشكيل الحكومة.

برز إلى العلن في الفترة الأخيرة الصراع الروسي – الأميركي على النفط والغاز في العالم. وتُشكّل السوق الأوروبيّة إحدى أوجه هذا الصراع حيث إنّ المواجهة السياسية والاقتصادية على مشروع السيل الشمالي 2 (North Stream II) هي الجبهة الأساسية.

المشكلات التي واجهتها روسيا من خلال تمريرها أنابيب الغاز عبر أوروبا الشرقية وبالتحديد أوكرانيا، دفعتها إلى طرح مشروع السيل الشمالي 2 بالإتفاق مع ألمانيا. هذا المشروع هو عبارة عن أنبوب بحري سعته 55 مليار متر مُكعّب يصل روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق ويسمح بتفادي كل دول أوروبا الشرقية كما والآتوات (تعرفة) على مرور هذه الأنابيب. وقامت خمس شركات أوروبية هي Engie، Shell، Uniper et Wintershall، وOMW بالمساهمة في هذا المشروع بنسبة 10% من قيمته البالغة 8 مليارات يورو. هذا الأمر أغضب الولايات المُتحدة الأميركية التي أقرّت قانوناً في تموز 2017 ينصّ على فرض عقوبات على كل شركة تُساهم في المشروع. وقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب باتّهام ألمانيا بالوقوف خلف هذا المشروع وبأنها تتعلّق بشكل كلّي بالغاز الروسي.

هذا الصراع امتدّ إلى الشرق الأوسط منذ اوائل هذا القرن مع بدء الإكتشافات النفطية والغازية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسّط ما غيّر في مركز ثقل الإهتمام الدوّلي بموارد الطاقة الذي انتقل من الخليج العربي إلى الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسّط. هذا الأمر فرض حالة من عدم الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط وقودها الظاهر الإختلاف العرقي والديني ولكنّ وقودها الفعلي السيطرة على الموارد الطبيعية.

حقل كرديش والتصعيد الإسرائيلي
أثبت التاريخ أنّ الموارد الهيدروكربونية لها قيمة كبيرة في الجغرافيا السياسية وتضع البلدان المُسيطرة على هذه الموارد في مواقع مُتقدّمة في اللعبة الإستراتيجية العالمية. هذا الأمر فهمته إسرائيل وقامت منذ العام 2000 بوضع إستراتيجية بشقّين: الأول تحويل الإقتصاد الإسرائيلي إلى إقتصاد يعمل على الغاز بدل النفط، والثاني بدء العمليات الإستكشافية للغاز في البحر (بمعرفتها المُسبقة بوجود غاز في البحر).

السباق مع الوقت بدأ بالنسبة لإسرائيل مع رغبتها القوية بأن تكون أوّلَ دولة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسّط تستخرج الغاز وتؤمّن أسواقاً له. وهنا ظهرت أمام إسرائيل مُشكلتان: الأولى جذب الشركات المُستثمرة في ظلّ وجود صراعات بين إسرائيل ولبنان من جهة وإسرائيل والفلسطينيين من جهة أخرى؛ والثانية إشباع أطماعها خصوصاً على الحدود الشمالية حيث الكمّيات الغازية هائلة، وهنا تظهر مُشكلة الحدود مع لبنان وبالتحديد حقل كارديش الذي يُحاذي المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان.

الجدير ذكره أنّ الطبقات الجيولوجية التي تحوي الغاز مُتشابكة بين المنطقتين الإقتصاديّتين الخالصتين التابعتين للبنان وإسرائيل وبالتالي فإنّ إسرائيل تسعى إلى الاستثمار في حقل كرديش قبل أن يذهب لبنان إلى التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9. هذا الأمر سيسمح لها بتأهيل الخزانات بطريقة تدفع من خلالها الغاز اللبناني الموجود في مكامن في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان وتحويله إلى خزاناتها.

إلّا أنّ إسرائيل تواجه عقبات أمام هذه الخطّة وتتمثّل بعدم وجود شركات مُستعدّة للإستثمار. فعلى الرغم من أنّ شركات عدّة أبدت رغبتها في الماضي بالإستثمار في حقلي كرديش وتانين، إلّا أنّ مُعظمها انسحب من المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية بسبب التحدّيات الجغرافية لهذه الحقول على مثال شركة أديسون الإيطالية التي دخلت في مفاوضات مع شركتي نوبل أنيرجي الأميركية ومجموعة ديليك الإسرائيلية في العام 2014 ومن ثمّ انسحبت من المفاوضات. أيضاً يُمكن ذكر شركة وودسايد بتروليوم الأسترالية وغيرها.

اليوم الشركة شبه الوحيدة التي تستثمر في حقلي كرديش وتانين هي شركة إينرجين (الفرع الإسرائيلي) والتي بدأت حملة في بورصة لندن لتجميع مبلغ بقيمة 500 مليون دولار أميركي منها 395 مليون للإستثمار في الحقلين والباقي مصاريف أخرى. هذا الأمر يُظهر الوتيرة الضعيفة التي تتطوّر من خلالها الأمور بالنسبة للدولة العبرية وبالتالي يجعل نتياهو ومن خلفه الحكومة الإسرائيلية في مأزق. إذاً لم يعد أمام حكومة نتياهو إلّا التصعيد مع «حزب الله» عبر إثارة مُشكلة سلاحه بهدف خلق مُشكلة داخلية في لبنان تمنع تشكيل الحكومة وبالتالي تعطيل التنقيب عن النفط في البلوك رقم 9 خوفاً من أن تسبق الشركات الثلاث إسرائيل في استخراج الغاز.

الصراع الروسي-الأميركي 
التصعيد الإسرائيلي يخدم الجانب الأميركي في صراعه مع روسيا على موارد الطاقة في البحر الأبيض المُتوسّط. فالمناوراتُ الروسية الأخيرة في البحر المتوسّط التي جرت منذ ما يقارب الشهر، أظهرت مُشكلة السيطرة الروسية العسكرية على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المُتوسّط مع إنذارات روسية للّاعبين الآخرين بإخلاء منطقة المناورات. وهذا الأمر يعني أنّ روسيا تسعى جهدها لفرض مُعادلة جديدة تكون فيها اللاعب الأول (بالطبع فرض مثل هذه المُعادلة ليس بالسهل خصوصاً مع الولايات المُتحدة الأميركية).

روسيا موجودة في الغاز اللبناني من خلال شركة نوفاتك المُشارِكة في التنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9. وبالتالي فإنها أصبحت عمليّاً لاعباً أساسيّاً يمتدّ من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة لسوريا إلى حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل، وهذا الأمر يُفقد الولايات المُتحدة الأميركية فرصَ الإستفادة من خلال شركاتها النفطية. ما يعني أنّ التصعيد الإسرائيلي يخدم مصالح إسرائيل وفي الوقت نفسه يُفرمل التوسّع الروسي. هذا التصعيد لا يُمكن أن يُجدي نفعاً إلّا من خلال خلق شرخ في الداخل اللبناني ومنع تشكيل حكومة تأخذ القرارات في ما يخصّ ملف الغاز.

في اعتقادنا أنّ الخيار اللبناني بتلزيم البلوك رقم 9 هو خيار صائب مع العلم أنّ مثل هذا الخيار قد يحمل لبنان إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل خصوصاً إذا قامت هذه الأخيرة بمغامرات جديدة في لبنان. إلّا أنّ التحاليل تُظهر أنّ إسرائيل لن تُعطي إيران الموجودة في سوريا ولا «حزب الله» فرصة ضربها بصواريخ نظراً إلى أنّ مثل هذا الأمر يُبعد الشركات المُستثمرة أكثر. وبالتالي نستنتج أنّ التصعيد الإسرائيلي يدخل في خانة الحرب النفسية وخلق شرخ في الداخل اللبناني ولن يتحوّل إلى مُغامرة عسكرية جديدة.