فجأة، تحولت السعودية إلى محور الاهتمام الرئيسي للأفكار الجديدة، لدى النخبة الإسرائيلية؛ تحولت إلى شيء مثل مصباح علاء الدين، القادر على تحقيق كل الأمنيات: تحقيق الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية، وإعمار الضفة وغزة، والتعاون الاقتصادي، والتصدي لمحور المقاومة، وشل الردع النووي الإيراني، في ما يلخّصه لي شيختر، في موقع «كانْ ثنك»، تحت عنوان «التعويل على النظام الإقليمي السعودي».
لا تخفي النقاشات الإسرائيلية اعجابها بجرأة السعودية بالقيام بـ «عاصفة الحزم»، وحيدةً، ولكن بعزيمة لا تعرف القيود ولا الحدود؛ تبدو أكثر قدرة من اسرائيل نفسها، لا من الناحية العسكرية، بل في نفوذها في العالم العربي والإسلامي والعالم. تكفي المقارنة بين العدوان الإسرائيلي على غزة والعدوان السعودي على اليمن؛ الأخير أكثر ضراوة ووحشيّة، ولكنه يحظى بالصمت عنه، بل بالتشجيع والتأييد. لدى السعودية، المال والهيمنة الدينية المذهبية والقدرة على التسلّح واتخاذ القرار وتحدي التعليمات الأميركية وجلب الحلفاء، ولديها التصميم على مواجهة العدو المشترك، إيران وحلفائها السوريين واللبنانيين.
الملك سلمان يقصف اليمن بلا رحمة، ومن دون أن يلقى احتجاجات جدية، عربية أو دولية، وينجح في إعادة تكوين صفوف الإرهابيين في سوريا، ويعيد طرح أولوية اسقاط الرئيس بشار الأسد، وتالياً حزب الله، بل ويتجرأ على إلغاء زيارة مقررة للولايات المتحدة واللقاء مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما. تسي برئيل، في «هآرتس»، يسمي ذلك «بطاقة صفراء» رفعها الملك في وجه أوباما. إنه الملك الذي يبدو، للإسرائيليين، اليوم، الأمل المنوط به حل مشكلاتهم الكبرى.
لا داعي لقيام إسرائيل بضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية؛ البديل، كما يرى أمير أورن، في «هآرتس»، هو مساعدة السعودية على امتلاك سلاح نووي؛ إنه الرد الاستراتيجي الأكثر فعالية على التحدي الإيراني النووي.
بل، ومن الحماقة، الاستمرار، كما يلح لي شيختر، في تجاهل امكانية حل القضية الفلسطينية بوساطة السعودية التي تستطيع أن تضمن الحل، وفقا للمصالح الأمنية الإسرائيلية، وتمويله، في سياق الرؤية الاقتصادوية لاستيعاب الاحتجاج السياسي لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة. والمسكوت عنه، إسرائيلياً، إنما المقاربة الأساسية في تفكير التيار الإسرائيلي في الحكم الأردني، مكمّلة للمقاربة الإسرائيلية؛ فضخُّ الأموال والاستثمارات في الأردن، يمكن أن يكون إطاراً لاستيعاب أكبر الكتل الفلسطينية خارج فلسطين، وتهدئة الاحتجاجات الأردنية على مشروع التوطين والمحاصصة.
من تحجيم إيران، وضرب حلفائها، وضمان الأمن الإسرائيلي، إلى إنهاء وجع الرأس المتعلق بالقضية الفلسطينية، يمكن، اليوم، الاستعانة بالسعودية الجديدة، ومشروعها الرئيسي لبناء حلف سني واسع، يضم الأنظمة والعسكر والإخوان والليبراليين والمعتدلين والإرهابيين معاً، في مواجهة العدو الرئيسي، إيران الشيعية والاتجاهات المعادية لإسرائيل في صفوف الشيعة والمسيحيين العرب. إنه لحلم صهيوني جميل، إنما ليس من دون أسس في الواقع الفعلي؛ حتى حماس، قطعت شوطا، ويمكنها أن تكون «شريكا»؛ فلنسمع قائد منطقة الجنوب الإسرائيلي، اللواء سامي ترجمان، وهو يعلنها بصراحة: «لا بديل لحماس في السيادة على غزة… لدينا مصالح مُشتركة للحفاظ على التهدئة وإتاحة الفرصة لإعادة البناء(…) بقاء حماس في غزة مصلحة إسرائيلية».
الجهود التركية ــــ القَطرية للتوصّل إلى «هدنة مديدة» بين حماس وإسرائيل تحقق نجاحاً، ما تزال تنتظر تجاوز الاعتراضات في صفوف المتشددين من الجانبين. وهو ما يثير القلق الشديد لدى أوساط السلطة الفلسطينية في رام الله؛ إنها تحاول، بكل الوسائل، وقف العملية السياسية الجارية، بل وتقوم بتخفيض التنسيق الأمني مع الإسرائيليين احتجاجا. وهو، بالطبع، مجرد احتجاج؛ ففي دراسة لمركز الزيتونة في الضفة الغربية، هناك استنتاج صادم حول أجهزة السلطة، يقول: «لقد تمّ إنتاج عقيدة جديدة و(فلسطيني جديد)، بإشراف الجنرال الأمريكي كيث دايتون، لم يعد يرى في إسرائيل عدواً، ويرى في استمرار التنسيق الأمني معها مصلحة فلسطينية كبرى».
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ربما كان يشير إلى كل تلك الأفكار ــــ قيد التبلور ــــ حين قال، في مراسم احتفالية بمناسبة مرور 70 سنة على هزيمة ألمانيا النازية، «إن إيران لا تزال تشكّل التحدي الأكبر(.) لسنا نحن المُهدَّدين فقط، ولكن أيضًا الآخرين القاطنين جوارنا؛ لذلك قد يُنشئ هذا الأمر مصالح مشتركة، وفرصًا لتطوير تحالفات، ومن الممكن، أيضًا، أن يدفع بعملية السلام قُدمًا». وطالبه معلقون إسرائيليون، على الفور، بترجمة هذا التوجه في خطة ملموسة.
بالمحصلة، تنفتح شهية إسرائيل لاغتنام الفرصة السعودية؛ لكنها تدرك أن الأميركيين، يفكّرون بطريقة أخرى؛ إنهم، في المقابل، يسعون لاغتنام الفرصة الإيرانية. وقد قطعوا، في هذا المسار، شوطا: النظام السعودي هش ولا عقلاني ولا مؤسسي ومتورط في الإرهاب ورافض لأي اصلاحات، وليست لديه، في المستقبل المتوسط، قدرة على البقاء، أو أقله القدرة على الاحتفاظ بنفوذه الإقليمي؛ فلا يمكن، إذاً، تجاهل القوة الإقليمية المتنامية لإيران الأكثر استقراراً، بنظامها المؤسسي وسياساتها العقلانية وطاقاتها العلمية والاقتصادية والدفاعية، كما أن التعويل على هزيمة حلفائها في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ليس أكيداً، في حين تبدو امكانية التأثير في السياسات الإيرانية من الداخل، للأميركيين، أكثر واقعية. وهو ما سنناقشه في المقال اللاحق.