فيما وجدت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى موسكو، التي عززت من وجودها العسكري في اللاذقية ومحيطها في الاسابيع الاخيرة، تفسيرات تتصل بايجاد الية تنسيق بين ما تستعد روسيا للقيام به في سوريا من حماية النظام وما تلتقي فيه والمصلحة الاسرائيلية، فان هذه الزيارة بدت بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية معبرة جدا عن تقبل اسرائيل بسرعة ومن دون اي اعتراض دور روسيا في سوريا والاستعداد للتعامل معه كأمر واقع وان في اطار رسم كل منهما حدود تحركه ومصالحه وعدم تأثيره على الاخر او تأمين ضوابط محددة. لم تفد أي معلومات بأن نتنياهو توجه الى موسكو للاعتراض بل لبحث اليات عسكرية معينة وانه نسق زيارته الى موسكو مع واشنطن في كل حيثياتها. كما لم يصدر في الواقع اعتراض على ما قامت به روسيا من الدول العربية المفترض انها معنية اكثر من سواها بالموضوع السوري علما ان ثمة معلومات تحدثت عن ان روسيا وضعت الدول العربية مسبقا في اجواء تحركها لئلا يفهم استهدافها مع النظام السوري لفئة مذهبية معينة هي الطائفة السنية. وكذلك غاب الاعتراض من الدول الاوروبية لا ايضا من الولايات المتحدة ولو صدرت مواقف تحذر من ان دخول روسيا المباشر على خط الحرب في سوريا قد يساهم في تعقيدها واطالة امدها اذا كان هدفها تعزيز بقاء الرئيس السوري ودعمه في اي مفاوضات على مستقبل سوريا. ومع ان الاعتراض اللفظي او السياسي لن يقدم او يؤخر في اي من الاحوال فضلا عن ان التدخل قائم في سوريا من جهات دولية واقليمية، فان احدا لم يشهر انتقادا لروسيا في الوقت الذي صدرت مواقف اوروبية من دول مؤثرة كفرنسا والمانيا توحي وكأن ثمة تفهما لما تقترحه روسيا من ضمن الحلول لسوريا لجهة احتمال بقاء بشار الاسد موقتا.
وفيما تقول مصادر ديبلوماسية ان الخطوة الروسية التي اتت في خضم مواجهة الدول الاوروبية ازمة غير مسبوقة في موضوع هجرة اللاجئين اليها ساهمت في تليين بعض المواقف الاوروبية على غرار ما عبرت عنه كل من النمسا واسبانيا لجهة امكان تفهم استمرار الاسد في المرحلة الانتقالية في ظل غياب البدائل، فان هذه المواقف الاوروبية معطوفة على الموقف الاسرائيلي الذي تحرك بسرعة في اتجاه موسكو في عز مواقف اميركية رسمية ملتبسة ضيق الهامش امام واشنطن لجهة رد الفعل السلبي المحتمل على تعزيز روسيا وجودها العسكري علما ان اداء واشنطن في الملف السوري لم يكن يتوقع ان يظهر اي تغير في سياسة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي انتهجها في الملف السوري والتي كفلت انتقادات واسعة له من مسؤولين كبار عملوا معه في الاعوام الماضية واستقالوا نتيجة سلبية هذه السياسة وفق ما تعتبر هذه المصادر. وهؤلاء لم يتوانوا عن الاستمرار في توجيه انتقادات قاسية لادارة اوباما مع المزيد من التدخل الروسي على خلفية التسليم مسبقا من جانب واشنطن لروسيا بهامش كبير في الموضوع السوري وعدم ابداء الادارة اي استعداد لبذل اي جهد يذكر على هذا الصعيد في تتويج لمسار فاشل للادارة الاميركية في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الاوسط.
وثمة من يعتبر في الموقف الذي اطلقه البابا فرنسيس وهو في طريقه من زيارة تاريخية لكوبا الى اخرى مماثلة للولايات المتحدة، انه لا يمكن حل اي قضية كبرى في العالم بمعزل عن روسيا، الأمر الذي يعطي التحرك الروسي دفعاً او زخماً من حيث المبدأ، انطلاقا من ان تقاعس الولايات المتحدة وعدم رغبتها في الاستثمار في حلول للازمات القائمة في المنطقة يشرعان الابواب على مساع للغير للاستثمار فيها، من دون قدرة كبيرة لواشنطن على الاعتراض او الرفض ما دامت هي منسحبة من المنطقة من الاساس ما لم يكن اعتراضها لفظيا او شكليا.
المفارقة بالنسبة الى المصادر المعنية هو امكان ان توظف الولايات المتحدة وسواها الوجود العسكري الروسي المباشر والمتزايد، في جملة احتمالات سلبا او ايجابا قد تعود لتصب في مصلحة المتحفظين غير المعلنين لهذا الوجود : اهمها التساؤل في ضوء المحادثات بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عما اذا كانت روسيا ستصبح مرجعية مؤثرة باتت تتمركز على الارض السورية ويمكن ان يتم التحدث اليها اقله في مناطق سيطرة النظام، وبالوكالة عنه، من اجل الضغط عليه في حال رغبت روسيا في تسويق التفاوض على الحل اقليميا ودوليا ما دامت هي مسؤولة على نحو مباشر عن تأمين استمراريته واعادة تأهيل القوات المتبقية معه. وذلك في الوقت الذي ليس هناك من قنوات مفتوحة مع رأس النظام وترغب دول عدة في استبعاد ايران عن واجهة المسؤولية المباشرة عنه. وفي ما خص الشعار الذي رفعته روسيا لزيادة تدخلها اي مساعدة النظام في مواجهة الارهاب، فانها قد تقع ضحية طموحها المتعدد في المحافظة على موقع قوتها في المنطقة كما في منافسة الولايات المتحدة متى تحولت طرفا مباشرا في الحرب الداخلية بحيث يحتمل ان تستدعي ردود فعل عنيفة على تدخلها من المتطرفين في سوريا كما في استدراج ذلك الى داخل روسيا ايضا. فايا كانت الخطط التي يضعها قادة او زعماء دول كبرى، فان الحرب غالبا ما تبدل المعطيات هذا في حال التسليم جدلا بان الخطوات المعتمدة لم تأت في سياق رد فعل او ارتجال في مكان ما.