Site icon IMLebanon

اسرائيل تستعمل الجولان ورقة مساومة على أمنها ضد “داعش”!

في الذكرى السنوية لتشكيل الحكومة الاسرائيلية، قرر رئيسها بنيامين نتنياهو عقد الجلسة الأسبوعية فوق أعلى هضبة من مرتفعات الجولان. وطلب من وسائل الاعلام توزيع صورة الاجتماع على الصحف المحلية والخارجية، مدّعياً أن أرض الجولان كانت جزءاً من أرض اسرائيل الكبرى.

أعلن نتنياهو أنه اختار عقد الاجتماع الأسبوعي في الهواء الطلق… وفي هذا المكان بالذات كي يمرر رسالة سياسية مفادها: إن مرتفعات الجولان ستبقى تحت سيطرة اسرائيل الى الأبد.

وكان من الطبيعي أن يُحدِث استفزاز الحكومة الاسرائيلية ردود فعل غاضبة دشنها مجلس الجامعة العربية بالاستنكار والرفض القاطع.

ولكن ما هي الدوافع الحقيقية التي شجعت نتنياهو على اتخاذ مثل هذا القرار الاستفزازي؟! جزء من الجواب قدّمه رئيس الوزراء أثناء مناقشة مستقبل مرتفعات الجولان على هامش الجلسة الخاصة.

قال إنه لا يدري ما إذا كانت التسويا في سوريا ستحافظ على مصالح اسرائيل الأمنية في هذه المنطقة الاستراتيجية… أم أن ذلك سيكون من نصيب “حزب الله” أو “داعش”؟ ثم أكمل: “لقد نشر مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا، مسودة تسوية يعيد بموجبها هذه المرتفعات الى سوريا. هذه سخافة. حان الوقت لأن تستوعب الأسرة الدولية الأمر الواقع. قصة الجولان إنتهت. الجولان كله سيكون من نصيبنا”.

الأحزاب المعارضة في اسرائيل التزمت جانب الصمت، ولكنها أعربت عن استغرابها لتصريحات رئيس الحكومة التي أثارت ضجة سياسية كبرى بعد مرور 49 سنة على احتلال الجولان.

في لقائه الأخير مع باراك اوباما، طلب نتنياهو منه الاعتراف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان. وإدّعى أن وجود روسيا وايران فوق الأراضي السورية قد يؤدي الى تمزقها وتفككها بحيث تصبح مرتفعات الجولان عرضة للنزاع بين “داعش” و”حزب الله”.

الرئيس اوباما لم يبدل في موقف بلاده، وقال له إن اتفاقية فك الاشتباك تتضمن بنداً أساسياً يقول: لا يعد هذا الاتفاق اتفاقية سلام نهائي، إنه خطوة نحو سلام دائم على أساس قرار مجلس الأمن الرقم 338 المؤرخ في 22 تشرين الأول 1973.

قبل أن يسافر نتنياهو الى موسكو للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، فاجأه الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف بتصريح له قال فيه إن موقف روسيا من وضع الجولان ثابت لم يتغير، وإنه يتطابق مع قرارات مجلس الأمن. ولما تأكد رئيس الحكومة الاسرائيلية أن بوتين يقف وراء التصريح، إدّعى أن زيارته لموسكو تتعلق بضرورة تنسيق الدولتين حول منع الاحتكاك مع طائرات روسية في الأجواء السورية.

وكانت الصحف الاسرائيلية قد لمّحت الى هذا الموضوع، وذكرت أن نتنياهو أوفد الى موسكو قبل مدة، خبيراً عسكرياً لإطلاع المسؤولين على حادث إطلاق النار على طائرات اسرائيلية اخترقت الأجواء السورية. ومن أجل تفادي المواجهة، إصطحب نتنياهو معه قائد سلاح الجو بحيث تتم صيانة التنسيق على أرفع مستوى في البلدين.

المقربون من مركز القرار في تل أبيب لا يستبعدون بحث المسائل التقنية المتعلقة بسلاح الجو، ولكنهم يؤكدون أن المباحثات تناولت مسائل استراتيجية بالغة الأهمية.

مصادر نتنياهو تدّعي أنه بحث مع بوتين في شكل المستقبل الذي يتصوره لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط. وذكرت أنه طالب بحصته من الغنائم التي تركها الرئيس الاميركي اوباما، وانصرف في آخر أيام ولايته الى ترميم منطقة الاتحاد الاوروبي.

ولقد وجد لدى بوتين الرغبة في تمتين العلاقات، على اعتبار أن اسرائيل تملك في الولايات المتحدة أهم وسائل الضغوط بواسطة الإعلام أو اللوبي اليهودي. ويعترف بوتين أن مشهد رجال الكونغرس وهم يصفقون لنتنياهو بعد إلقاء خطابه، يمثل صفعة مدوية للرئيس اوباما. كما يعترف أيضاً بأن تأثير اسرائيل على المجتمع الاميركي ساعد في فرض العقوبات على روسيا. لهذه الأسباب وسواها، يسعى بوتين الى تطمين اسرائيل الى اجتراح حلول لا تشكل خطراً على أمنها وسلامة حدودها.

ويرى عدد من الصحافيين الروس أن بوتين عازم على إرضاء نتنياهو، بهدف جذب اسرائيل من تحت المظلة الاميركية، واستخدامها في منطقة بدأت تفرغ من نفوذ الولايات المتحدة. وعندما أثار نتنياهو مع الرئيس الروسي مسألة ضم الجولان، حاول أن يقارن بين هذه الخطوة… والخطوة التي أقدم عليها بوتين في ضم شبه جزيرة القرم.

ورفض بوتين مبدأ المقارنة، لأنه إسترد لروسيا منطقة كانت تابعة لها جغرافياً وتاريخياً، في حين يريد نتنياهو ضم منطقة هي جزء لا يتجزأ من سيادة سوريا!

الدافع السياسي الذي شجع نتنياهو على إعلان ضم مرتفعات الجولان الى اسرائيل كان حديث بوتين عن إنشاء نظام فيديرالي في سوريا تنصهر في داخله كل الأقليات والطوائف.

ومع أن المفاوضات حول مصير سوريا ومستقبلها قد استؤنفت في جنيف، إلا أن المجموعات المعارضة رفضت ترميم النظام السياسي العتيق والمفكك. كما رفضت الاعتراف بقدرة بشار الأسد على جمع الشظايا المتناثرة وإعادة تركيبها بشكل جديد وصالح للعمل. وهي ترى أن سوريا أصبحت شبه فسيفساء لمقاطعات بالغة الصغر. خصوصاً بعدما سلمت الحكومة شطراً كبيراً من الأراضي الى ايران وروسيا و”حزب الله”. في حين إقتطع “داعش” أغنى المقاطعات وأكثرها بحبوحة.

وكما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية، فان أمراء الحرب في سوريا نشروا نقاط تفتيش حول حدود أقاليمهم الضيقة بهدف جباية الضرائب وخطف الميسورين. ويكاد يكون في نظرهم من المستحيل التنازل عن هذه “الملكيات” لمصلحة حكومة وحدة وطنية، مثلما فعل اتفاق الطائف.

ويرى المراقبون أن انهيار سوريا يهدد استقرار الشرق الأوسط كونها لعبت دوراً بارزاً في العالم العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. علماً أن هذا الدور كان سلبياً في الستينات والسبعينات لأنها نشرت الخلافات داخل لبنان بغرض القيام بدور المنقذ. واليوم، لم تعد سوريا محركة الدمى والممسكة بمقاليد الأمور. بل تحولت ثقبا أسود يفرز يومياً عشرات القتلى وآلاف اللاجئين الباحثين عن الأمان خارج البلاد. تماماً مثلما أفرز “داعش” عصابات القتل وتجـّار الموت والسلاح.

وفي تقرير موثق، نشرت تفاصيله “وول ستريت” الاميركية و”دايلي مايل” البريطانية، إدانات للنظام السوري، وادعاءات بأنه اتفق في مرحلة معينة مع تنظيم “داعش” على شراء كميات من النفط بأسعار رخيصة.

ونشرت الصحيفتان صورة مذكرة صادرة يوم 11 شباط 2014 ومرسلة من مكتب أبو سياف – رئيس قطاع النفط لدى “داعش” – الى شخصية مقرّبة من بشار الأسد، تطلب منها التعاون. وتشير تلك الوثائق الى أن الاتفاق الذي عُقِد بين الطرفين سجل دخول أربعين مليون دولار شهرياً في خزينة “داعش”. وهذا ما جعله جديراً باللقب الذي أطلقه عليه اوباما “أغنى منظمة إرهابية عرفها تاريخ العصابات المسلحة”.

عودة الى مرتفعات الجولان، وما تعنيه من أهمية بالنسبة لأمن اسرائيل، وللخطوط الحمر التي رسمها نتنياهو في واشنطن وموسكو. وقد شملت تلك الخطوط المثلث الحدودي القائم بين اسرائيل وسوريا والأردن وجنوب الجولان.

وقد أعرب نتنياهو عن مخاوفه من احتمال استخدام الجولان كمركز انطلاق لتهديد اسرائيل من الجهة الجنوبية، خصوصاً بعدما أعطت منظمة “شهداء اليرموك” ولاءها لـ “داعش” منذ سنة 2014. وفي القرى المقابلة للحدود مع اسرائيل يعيش أكثر من أربعين ألف نسمة بينهم 600 مقاتل تابعون لـ “داعش”.

لهذه الأسباب تتوقع الحكومة الاسرائيلية أن يفتح “داعش” جبهة شبيهة بالجبهة التي فتحها في سيناء، في حال نجح الاميركيون والروس في عملية طرده من سوريا. وعليه يتوقع نتنياهو أن يجعل من التزامه باتفاقية فك الاشتباك (31 أيار 1974) ورقة مساومة لانتزاع تنازلات من متعهدي النظام السوري، توفر لاسرائيل الأمن والاستقرار!